أهى لعنات جديدة أصابت هذا الإقليم؟ أم هى جينات تاريخيّة موروثة ومهجنة ومعدلة لتصل إلى ما وصلت إليه؟ المتابع لما يجرى فى إقليمنا البائس اليائس ستصيبه لعنة «الاضطراب متعدد الاتجاهات»، فالإقليم يضم بين جنباته كل المنمنمات السياسية، دولاً تاريخيّة تمثل تمثل أرقاماً صحيحة وأخرى وظيفية لا تعدو كونها أشباه دول وهناك أمم صاحبة حضارة ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، بينما هناك شعوب تعانى من «حيرة حضارية»، هناك أيضاً العدد الأكبر والأخطر من التنظيمات المسلحة من دون الجيوش والتى نطلق عليها الميليشيات والتى باتت تتحكم فى مصائر الدول بل وتحل محلها بكل فجاجة وهى تخرج لسانها للقوانين الدولية، فى إقليمنا نزلت رسائل السماء اليهودية والمسيحية والإسلام، فى إقليمنا قُتل الأنبياء و استهزئ بالرسل، واندلعت الحروب الدينية والمذهبية ومازالت تمثل وهجا تحت الرماد، فى إقليمنا شاهدنا حكم الله على بنى إسرائيل والذين خرجوا وتاهوا فى الأرض وصاروا شتاتا، وشاهدنا فى إقليمنا حروباً وصراعات امتد بعضها إلى مئات السنين، بزغت فى نفس الإقليم حضارات عظيمة لا يمكن ان يتجاهلها أحد، فالحضارات التى ولدت وتشكلت على أرض مصر وسوريا والعراق واليمن وساحل عمان وتركيا وإيران وإثيوبيا وباقى والإقليم التى شهدت حضارات متنوعة، كل هذه الحضارات لم يكن بينها صراع وإنما كان بينها تماس فى لحظات الغروب والشروق، فغروب امبراطورية وخفوت حضارة يعنى شروق حضارة جديدة وبزوغ امبراطورية جديدة، هذا الإقليم الذى يجمع بين أركانه كل الأعراق والملل والأجناس لم يهدأ لحظة واحدة عن الصراع رغم كل الموروثات الحضارية والدينية التى تراكمت عبر التاريخ، اليوم ننظر إلى الإقليم من أقصاه إلى اقصاه فلا نجد إلا غرابيب سود يقف خلفها بوم ينعق بأصوات كريهة مختبئ وراء أدخنة متصاعدة من الحرائق المشتعلة بفعل فاعل مرتزق فى غالب الأحوال، ربما كان السبب الرئيسى هو وجود كيان محتل مغتصب مثل الكيان الصهيونى الذى التهم الأراضى العربية وقتل الحلم الفلسطينى وعاث فى الأرض فساداً، لكن ما دخل هذا الكيان فيما يجرى فى السودان التى الذى أصبح – للأسف الشديد –ذكرى مؤلمة، وما دخل الكيان بما جرى ويجرى فى ليبيا والصومال وسوريا والعراق ولبنان واليمن؟ لقد استفاد الكيان الصهيونى من كل ما جرى ويجرى على الأرض العربية وربما ساهم مرتزقته وعملاؤه المنتشرون فى كل ربوع المنطقة فى اشتعال المنطقة لتحقيق أكبر المكاسب، لكن تبقى مشكلتنا داخلية فى المقام الأول، فرغم إيماننا بأن المؤامرات التى تحاك لم تتوقف ولن تتوقف إلا أن إيماننا الأكثر رسوخاً بأن أيا منها لن ينجح دونما تقصير من الداخل، فالبلاد العربية التى تلاشت واختفت من على الخرائط وربما للابد وصلت إلى ما وصلت إليه بفعل تقصيرها وخوائها من الداخل، المؤامرات لن تنجح إلا من الداخل، لذلك أرى أن كل ما يدور فى الإقليم يدار ويحاك ويخطط من الخارج، وكل ما يتحرك أمامنا يدار بالريموت كونترول من الخارج، فالمعارك الدائرة معارك بين الوكلاء وليس الأصلاء، لكن اشتداد الصراع الآن ينذر بأن يظهر الأصلاء ويتحول الإقليم إلى ساحة وميدان لحرب حقيقية ربما تحولت إلى حرب عالمية.