بعد عملية طوفان الأقصى «أكتوبر 2023» تعمدت إسرائيل زيادة عمليات التعاون مع القارة السمراء فى تأكيد تاريخى منها على سياسة شد الأحزمة والتى أسسها بن جوريون فى الخمسينيات وتعنى الالتفاف على مصر العدو الإستراتيجى لها بعدد من أحزمة القلق والجذب ومنها «حزام أفريقى» ضاغط ومؤيد لإسرائيل.. ولعل الصراعات والحرب الأهلية فى السودان التى تجرى رحاها منذ سنوات ليست بعيدة عنه بل بفعل منه وباسثمار عال له لجذب الأنظار بعيدا عن فلسطين وغزة ولتهديد الأمن القومى العربى «والمصرى خاصة» بهذا التوتر وتلك الحرب الاهلية التى لا يستفيد منها أحد سوى أعداء السودان ومصر بالأساس ويضاف إلى ذلك الدور الإسرائيلى المشبوه فى موضوع «السد الأثيوبى» بكل أسراره وأبعاده وحقائقه المرة!
>>>
> إن أسرار الدور الإسرائيلى فى أفريقيا يحتاج إلى توثيق وتاريخى مهم لكى نفهم أهدافه المستقبلية القادمة وفى هذا السياق، ونضع بين أيدى القارئ الكتاب الموسوعى المهم للباحث والخبير الإستراتيجى حسين حمودة والمعنون بـ «إسرائيل فى أفريقيا – والصادر عن مكتبة الشروق الدولية – 2011»، والذى كان فى الأصل رسالة ماجستير مقدمة لمعهد البحوث الأفريقية، إننا أمام عمل غاية فى الأهمية.
الكتاب ينقسم إلى سبعة فصول تتناول «جميع النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للعلاقات الأفريقية – الإسرائيلية، وتأثيراتها على الأمن القومى العربى والأفريقى وفى قلبه الأمن القومى المصرى، الكتاب قدم له د. أحمد يوسف أحمد ود. سليم العوا، ويصل عدد صفحاته إلى قرابة الـ 600 صفحة من القطع الكبير، وهو يعد تحليلا لتفاصيل وأبعاد التدخل الإسرائيلى منذ 1948 وحتى اليوم فى أفريقيا ويقدم لنا إستراتيجية للمواجهة، نستطيع أن نستخلصها من بين فصول الكتاب.
> الدور الإسرائيلى فى أفريقيا بدأ منذ عام 1948 ولا يزال مستمرا حتى يومنا هذا «2025» وعندما قطعت الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل بعد حرب 1973 ثم عادت ثانية مع السلام المصرى الإسرائيلى عام 1979 وكأنهم يقولون لنا وقتها إننى «لن أكون ملكا أكثر من الملك نفسه» وظلت العلاقات تتأرجح بين شد وجذب حتى يومنا هذا.. ولقد اقترح د. حسين حمودة جملة من الأفكار والمقترحات لدور عربى فاعل فى مواجهة الدور الإسرائيلى ورغم أنها صدرت فى كتابه قبل سنوات إلا أنها مهمة ولا زالت حاجتنا إليها كبيرة ومنها:
1 – تفعيل الدور الأفريقى فى هيئة الأمم المتحدة – التى أصبحت بمثابة مكتب عقارى أمريكى إسرائيلى منوطاً به إعادة تقسيم المنطقة لصالحها – فضلاً عن تفعيله فى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى يصبح حاجة ملحة، حيث تُمثل الدول الأفريقية قرابة نصف عدد الأعضاء.
2ــ دعم الحوار العربى الأفريقى وتفعيله، وإحياء القمة العربية الأفريقية، التى بدأت عام 1977.
3 – دعم وتعزيز التعاون الإستراتيجى بين دول حوض نهر النيل، والعمل على إجهاض المشروعات الإسرائيلية على هضبة الحبشة «كتاب حسين حمودة صدر قبل بناء السد الأثيوبى مباشرة!!»، وفى باقى دول المنابع.
4 – تكثيف النفوذ الإستراتيجى الأفريقى بمنطقة القرن الأفريقى والمدخل الجنوبى للبحر الأحمر.
5 – تأسيس آلية عربية أفريقية مشتركة للأمن الجماعى، لمكافحة الإرهاب بين الدول المطلة على البحر الأحمر «مصر، السودان، جيبوتى، الصومال، إريتريا، السعودية، الأردن، اليمن» تأسيساً على الاتفاقيات العربية لمكافحة الإرهاب «القاهرة، 1998»، والأفريقية لمنع ومكافحة الإرهاب «الجزائر، 1999»، ومعاهدة «منظمة المؤتمر الإسلامى» لمكافحة الإرهاب الدولى «واجادوجو، 1999»، فى صورة آلية تنفيذية «يقترح أن يكون مقرها القاهرة».
>>>
> هذا ويؤكد المؤلف فى موضع آخر من كتابه الموسوعى على أن إسرائيل تمثل حالة نموذجية لإظهار الضعف الأفريقى والعربى، أكثر من كونها تعبيراً عن قوتها الذاتية – مع عدم التهوين، أو التقليل من حجم النشاط الإسرائيلى فى أفريقيا فى المجالات كافة وهو يقترح على مصر دون غيرها من الدول العربية الآتى بشأن أفريقيا:
> التخطيط العلمى الواعى لمواجهة النشاط الإسرائيلى فى أفريقيا، من خلال توجهات شاملة: «سياسية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعية، أمنية… إلخ»، فى ضوء كونه جزءاً من الصراع الممتد على الصعيد العربى الإسرائيلى.
> السعى إلى إيجاد ترابط عضوى فعّال، بين مصر ودول منطقة منابع النيل والبحر الأحمر، فى محور عربى أفريقى قوى، والاستفادة من المشاركة الجديدة من أجل التنمية فى أفريقيا نيباد، وغيرها!.
> تأسيس مجلس أعلى للشئون الأفريقية، وتعيين وزير للشئون الأفريقية يشغل منصب أمين عام المجلس المقترح، وبعضوية بعض الوزراء التى تعنى وزاراتهم بمجالات التعاون مع الدول الأفريقية «وزارة الرى، وزارة الزراعة، وزارة التجارة، وزارة الاستثمار… إلخ»، بغية تنفيذ خطط فعالة للتحرك لاستعادة ريادة مصر فى أفريقيا.
> هذة المقترحات رغم مرور السنوات عليها لا زالت حاضرة وقوية وتحتاج إلى من يأخذ بيدها نحو الاتجاه الصحيح للتاريخ!
> وبعد…… هذا بعض مما كتب قبل سنوات فى دراسة موسوعية مهمة للدكتور حسين حمودة وسبقتها وتلتها عشرات الدراسات التى قامت بها جامعاتنا المصرية على اختلافها.. خاصة معهد البحوث الأفريقية حتى يومنا هذا «2025».. ولأننا أمام تحديات كبيرة تتصل بالأمن القومى العربى فى أفريقيا فعلينا أن نعيد القراءة والبحث ثم اتخاذ القرار الصائب.. لأن حديقتنا الخلفية «أفريقيا» باتت مهددة ومكشوفة… والله أعلم!