الوعى الحقيقى سيبقى كلمة السر فى تماسك وصلابة الجبهة الداخلية لأى أمة، الوعى بالهوية والتاريخ، الوعى بالمتغيرات والتحولات، الوعى بواجبات الوقت، الوعى بضرورة ترشيد الاستهلاك وتعظيم الإنتاج، الوعى بخطورة الشائعات والحروب النفسية التى تهدف للتشكيك فى كل شيء وإهالة التراب على كل قيمة وإنجاز.. والسؤال: كيف نبنى قاعدة صلبة من الوعى الصحيح؟!..
والإجابة بالإعلام الموضوعى الواعى بخطورة ما يؤديه من رسالة تستهدف التنوير ومساندة الدولة لعبور الأزمات، والتركيز على الإنجازات والتنبيه فى الوقت ذاته لمواطن القصور والسلبيات، وتوخى المهنية والموضوعية مع السبق والتميز فلا يقنع فى النهاية إلا المقنع، ولابد من احترام عقل المتلقي، أياً كانت الوسيلة الإعلامية التى تخاطبه، صحافة أو تليفزيونًا أو سوشيال ميديا..!!
«الوعى الرشيد سر الانتصار» هذا هو ما تتنادى به كل أجهزة الدولة ومكوناتها من إعلام ومؤسسات ثقافية ودينية وشبابية، فما تواجهه مصر الآن من تحديات اقتصادية وجيوسياسية تستلزم وعيًا حقيقيًا لا تفت فى عضده أى شائعات أو أكاذيب تبتغى بالأساس زعزعة ثقة المواطن وتشكيكه فى دولته وقيادته كخطوة لازمة لهدم الدولة..
الصحافة مطبوعة أو إلكترونية لا تزال أداة أصيلة فى تشكيل الوعي، وكذلك الإعلام المرئى والمسموع والإلكترونى وكذلك الدراما الهادفة التى تبنى القيم والأخلاق وتهدم أوهام التزييف والشائعات والأراجيف وطالما امتلكنا وعياً حقيقياً صلباً أمكننا خوض المعارك بجبهة موحدة وعزيمة لا تلين ولا تهادن.. والوعى لا يقتصر فقط على معرفة المعلومة والحقيقة بل معرفة كيف يفكر الأعداء وكيف يسعون للهدم والتخريب، الوعى بأهمية العلم والعمل والبناء والتعمير، وبناء الوعى هو فرض على كل مؤسسة وكل مواطن ومسئول ومثقف، كما أنه مسئولية على المعلم والفن والإعلام، لأن غياب مثل هذه المنظومة المتكاملة يفتح المجال أمام انتشار وعى زائف يمكنه إذا ما استشرى أن يمهد الأرض أمام دعاة الفوضى والإحباط وتوهين العزائم.
الإعلام رأس حربة فى معركة الوعي، تسنده المؤسسات الدينية والشبابية والثقافية ومن قبلهم الأسرة التى تبنى أولى ركائز الإدراك والفهم فى نفوس الناشئة والأطفال.
ورأيى أن الإعلام والصحافة وفى القلب منهما صحافتنا القومية كانت ومازالت رأس الحربة فى معركة الدولة لمجابهة التحديات ومتغيرات المنطقة والعالم من حولنا، ورمانة الميزان فى صون العقل الجمعى من رياح الحرب النفسية وإخوان الشر ومحاولات الاستهداف التى لا تتوقف من هنا وهناك.
ولعل حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تذكيرنا من وقت لآخر بأهمية الإعلام يجعلنى أتساءل: هل قام إعلامنا وصحافتنا والدراما بوجه خاص بدورها فى تحصين الرأى العام من رياح الفتن التى تهب من الفضائيات والمواقع الكارهة لمصر.. ومن الكارهين لها هنا وخارج هنا؟!..
للإعلام والصحافة رسالة تنويرية هدفها إيقاظ الهمم والشعور الوطنى وخلق ظهير شعبى قوى مساند للدولة فى تحولاتها الكبرى مع التنبيه لأوجه القصور متى وجدت، ونشر الرأى والرأى الآخر كسباً للمصداقية وتحقيقاً للموثوقية فليس يقنع إلا المقنع فى النهاية، ومن ثم فإنهما – أى الإعلام والصحافة – بهذا المعنى ليسا سلعة ولا ينبغى أن ينتظر منهما الربح والمكسب المادى فما ينفق عليهما أقل بكثير من الفائدة المرجوة بوجود رأى عام مستنير وداعم ومتفاعل مع قضايا أمته وشواغل دولته..لأن ثمن غياب مثل هذا الرأى العام فادح وفادح جداً.. ولن يملأ فراغهما إلا أبواق الإفك والضلال والشائعات وهشاشة العقول وقابليتها لتصديق ما يلقى إليها دونما تمحيص ولا تحقق.
والنتيجة أن كثرة غالبة من خريجى الإعلام صاروا متعطلين عن العمل فى الإعلام الذى هم أهله وأحق به وأولي، لما درسوه من مناهج متنوعة فى فنون الصحافة والإذاعة والتليفزيون والإخراج والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتشريعات والصحافة الإلكترونية سواء فى كلية إعلام القاهرة التى انطلقت أولى دفعاتها 1975 بديلا لقسم الصحافة الوحيد بكلية آداب القاهرة أو فى غيره من كليات وأقسام متخصصة.
مثل هذه المناهج أسهمت فى تأهيل خريجى الإعلام والصحافة لأداء مهنتهم بعلم وموهبة وقدرة على استيعاب متغيرات عصر الصحافة الإلكترونية وتطويعها لخدمة قضايا المجتمع وتنميتها عبر إنتاج محتوى مبدع يأخذ بألباب المتلقين ويغذى عقولهم وأرواحهم ووجدانهم ويبنى عن بينة اتجاهات الرأى العام بصورة إيجابية وينمى الوعى الجمعى وينقل الأخبار بتجرد وموضوعية ليكشف عن أوجه القصور والفساد ويحارب الإرهاب ويصحح المفاهيم المغلوطة.
سوق الإعلام للأسف تعانى التخمة والتشبع، فثمة كثرة مطردة فى الخريجين وقلة بل ندرة فى وظائف الإعلام.. وهنا يثور سؤال مهم: لماذا يتم التوسع فى إنشاء أقسام وكليات جديدة للإعلام والصحافة رغم ما يعانيه خريجوهما من بطالة واضحة.. لماذا هذا التوسع رغم وجود كلية إعلام عريقة بجامعة القاهرة يمكنها أن تسد حاجة سوق العمل التى تشبعت ولم تعد فى حاجة للمزيد بعد التراجع الرهيب فى الموارد والإعلانات والظروف الاقتصادية الصعبة التى تطبق الخناق على سوق الطباعة والصحافة والإعلام.
عودة إعلامنا قوياً خلال السنوات الماضية أمر يشار له بالبنان من مصلحة الجميع، إعلام لا يهتم باللت والعجن والدجل والشعوذة واختلاق معارك وهمية وترويج فضائح المشاهير وخناقاتهم وفتاوى الفتن المنافية لقيمنا الأصيلة وهتك الحرمات وانتهاك الخصوصيات وتهويل نقائص المجتمع وكشف عوراته.
الالتزام بالمعايير الموضوعية الضابطة للأداء الإعلامي، يرتقى بالمهنة ويحقق لها المصداقية والانتشار ويجذب إليها جمهورًا جديدًا ويعصمها من الانفلات الذى يمارسه دخلاء ينتسبون للمهنة زوراً وبهتاناً.. وليس أقدر على الالتزام بتلك المعايير من أهل التخصص، فأهل مكة أدرى بشعابها، وكفانا فتح أقسام وكليات جديدة للصحافة والإعلام حكومية أو خاصة فقد بلغ سيل الخريجين الزبى ولم تعد سوق العمل قادرة على استيعاب المزيد منهم.. وتلك مطالب مشروعة يحدونا أمل أن تتبناها هيئات الإعلام والصحافة ونقابتاهما، وهم يحاولون ذلك بالتأكيد لإعادة الحياة لمهنة تصارع للبقاء ويحدونا أمل مع القيادات الصحفية الجديدة أن تواصل استعادة الحيوية والتأثير والانتشار وتجذب شريحة جديدة من الجمهور الغارق فى بحور «السوشيال ميديا».
وقد حققت الشركة المتحدة النموذج عندما قدمت إعلاماً هادفاً وقادراً على بناء الوعى وتبنى القضايا الحقيقية والبعد عن التوافه، كما قدمت دراما جادة ولها رسالة ونجاح هذه التجربة يجعلنى طامعاً فى المزيد لأننا نستطيع فعلاً.. حفظ الله مصر..حفظ الله الوطن.