لغط كبير أثير خلال الفترة الماضية بعد قرار غلق قصور الثقافة المؤجرة وإعادة توزيع العمالة الموجودة بها على أماكن أخرى بوزارة الثقافة.. وقوبل القرار بموجة عارمة من الرفض فى الأوساط الثقافية حتى خرج وزير الثقافة ليؤكد أنه لن يتم غلق أى قصور للثقافة وإنما المقصود هو إعادة النظر فى الشقق المؤجرة بمساحات صغيرة لا تقدم أى خدمات ثقافية وقال تحديدا « إن الوزراة تسعى لإعادة تنسيق وتنظيم البيوت الثقافية ولا يوجد أى إغلاق.. وليس هناك أى قصر ثقافة سيتم إغلاقه، ولن يكون هناك أى مكان تنويرى أو تثقيفى سيتم غلقه «.. وأكد وزير الثقافة أنه سيتم الاستعاضة عن هذه الأماكن بقصور للثقافة تقدم خدمات متكاملة ومحتوى ثقافيا فعالا يكون له تأثير ثقافى على المجتمع..
ورغم أن الصورة الضوئية لقرار أحمد اللبان مساعد شئون رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة تؤكد على الغلق بشكل صريح لأن إعادة توزيع العاملين بهذه الأماكن على أماكن أخرى يعنى بكل وضوح غلق هذه الأماكن حتى ولو كان بشكل مؤقت لحين إعادة النظر… وبغض النظر عن صحة قرار الغلق أو إعادة تشغيل هذه الأماكن بشكل جديد فإن الواقع الذى لا يمكن إنكاره أن جميع قصور الثقافة على مستوى الجمهورية تحتاج لإعادة النظر فى دورها المنوط بها وما تقدمه لأبنائنا وشبابنا فى فترة حرجة تحتاج فيها الدولة لاستيعاب وتوعية شبابها بكل ما يحاك ضد الوطن وتنمية مهاراتهم الثقافية والأدبية ليكونوا نواة لأجيال قادمة من المبدعين الذين يعرفون قيمة الثقافة ودورها فى تنمية الأوطان وتعزيز الانتماء.
نعم وبوضوح شديد فكل قصور الثقافة على مستوى الجمهورية أو معظمها لم تعد تقدم الخدمة الثقافية المطلوبة والتى تستهدف بشكل أساسى الشباب فى أعمار متفاوتة لتقدم لهم وجبات ثقافية وأنشطة هادفة تنمى مواهبهم وتساهم بشكل كبير فى تشكيل شخصياتهم ليكونوا نماذج ناجحة داعمة لوطنهم ولأنفسهم..
وفى هذا الوقت الحرج الذى تحتاج فيه الدولة إلى دعم كل أبنائها المخلصين وتأهليهم لتقديم أقصى ما يمكن تقديمه للوطن مع استيعاب كامل للشباب فى كل المناطق والمحافظات يتوقف دور قصور الثقافة الآن عند تنظيم عروض لفرق الفنون الشعبية بالمحافظات أو ورشة لتعليم التطريز .. ولو بحثنا عن باقى الأنشطة الثقافية لهذه القصور فلن نجد شيئا مذكورا أو ملموسا..
أتذكر فيما مضى الندوات الثقافية التى كانت تقام بقصور الثقافة وكنا نحرص على حضورها وكانت عاملا قويا ومؤثرا فى تكوين شخصيات وتوجهات الكثير من الشباب الذين أصبحوا من القيادات فى جميع المجالات فيما بعد.. أذكر الأمسيات الشعرية التى كان يتبارى فيها الشباب لإلقاء أشعارهم وهم فى بدايات العمر أو عرض مجموعاتهم القصصية حتى أصبحوا فيما بعد من كبار الشعراء وكتاب القصة والرواية..
كنا نستمتع بحضور لقاءات لكبار المفكرين والكتاب فى ندوات ساهمت بشكل كبير فى تكوين شخصيات سوية تعرف معنى الوطن وتحفظ حقه حتى وصلنا الآن إلى مرحلة اللاشئ فى الأداء الثقافى وتحولت قصور الثقافة إلى قاعات خاوية خالية من أى حياة.. حتى المكتبات سواء التابعة لقصور الثقافة أو المكتبات العامة أصبحت أيضا خاوية على عروشها ولو وجدت فيها أحداً فستجد شيخا كبيرا أو سيدة مسنة مازالت القراءة هى هوايتهم وحياتهم.. ومعهم قليل جدا من الشباب الذين لهم كل العذر فى عدم القراءة..
أنا شخصيا مع إعادة النظر فى دور ومهام قصور الثقافة ليكون لها دور ملموس فى تكوين الشخصية المصرية وفى حشد الشباب وتكوين شخصياتهم وثقافاتهم بالشكل الصحيح.. أما غير ذلك فلا معنى له وعدم وجوها أفضل من وجود غير مؤثر.