وهكذا ترحل القلوب البيضاء الطاهرة النقية وتبقى ذكرياتها الطيبة، تغادرنا بهدوء من دنيا الفناء إلى عالم البقاء، فقدنا إشراق أحمد بسيوني، أو نجوى بسيوني، بينما الاسم المفضل لها وللجميع «ماما نوجا»، جمعت بين الإشراق مثل شمس الشتاء الدافئة، وأشعتها الذهبية، ونور قمر بدر فى ليلة ربيعية، خفيفة كالنسمة فى فجر الصيف.
كانت نوجا «أما»، وأختا، مفعمة بالود، تنزل الجميع منازل الاحترام، دون نظر إلى موقع أو منصب أو جاه، وفى المقابل تترفع عن المناصب والمكاسب، تعتز بنفسها وكرامتها ومهنتها وعائلتها، كانت نعم الأستاذة والأم الحنون التى ظللتنا نحن عندما كنا فى مقتبل حياتنا الصحفية برعايتها ودعمها المهنى والإنسانى ونحن نخطو خطواتنا الأولى فى عالم الصحافة وفى جريدتنا الجمهورية، فى وقت كان الآخرون يركلون كل من يقترب من سور الصحافة، فظهر معدنها الأصيل وثقتها بنفسها، وبقى ذلك هو الرصيد الأهم لها عند الجميع طوال حياتها، ولا ابالغ وأزعم أن كل من حولها كان مدينا لها بنوع ما من الفضل والمعروف، ولو بالكلم الطيب.
من الصعب أن يجمع الناس على شخص، ويشهدون له بلا خلاف، لكن «نجوي» حازت على هذا الإجماع، بما قدمته من عمل الخير بطبيعتها التى جبلت عليها، لمن تعرف ومن لا تعرف، ولا تنتظر جزاء ولا شكورا إلا من الله سبحانه وتعالي، فإذا كان من طبائع الناس أن يصلوا من وصلهم ويقطعوا من قطعهم، لم تكن «ماما نجوي» كذلك، بل تصل كل من تعرفه، تبادر دائما بالتهانى فى الأعياد والمناسبات، وتسأل عن من يغيب.
وليس أصعب على الإنسان من رثاء شخص يسكن قلبه، لا يستطيع أن يودعه بكلمات، مهما كانت فهى عاجزة عن التعبير عن المكنون فى الصدر والحقيقة والجوهر الثمين.
ولعلى أسترشد ببعض ما كتبه الكاتب الكبير الأستاذ صالح ابراهيم، وداعا نجوى بسيوني.. الزميلة الرائعة والروح الطاهرة، إنه يوم بتوقيت مبارك وعظيم، أول شهر رجب الذى ينبه المؤمنين إلى قرب رمضان حيث تفتح السماء أبوابها مع قدومه تستقبل الدعوات الصالحات والأمنيات النافعات ومعها بالتأكيد أرواح طاهرة انتهت مهمة أصحابها الأعزاء على الأرض، وقاموا برسالتهم على خير ما يرام، ثم أدركهم الموت ليصعدوا فى رحاب الرحمن، تصحبهم دعواتنا وشهادتنا لهم بالخير والإيثار، وتبقى أعمالهم الصالحات ذخرا للأجيال.
والراحلة نجوى بسيونى مدير تحرير الجمهورية هى ابنة الصحفى القدير الأستاذ أحمد بسيونى الذى كان رئيس قسم المراجعة الصحفية بجريدة الجمهورية (الديسك الآن) – بدأت حياتها الصحفية فى قسم المرأة، وشقت طريقها بنجاح بين أقسام الجريدة، إلى أن استقرت فى القسم القضائى وقامت بتغطية القضايا الكبرى (قضايا الرأى العام) فى دار القضاء العالى ومكتب النائب العام ومحاكم أمن الدولة العليا والجنايات، ومحكمة القيم والمدعى الاشتراكي، المحكمة الدستورية العليا، وكان لها النصيب الأكبر من قضايا الأحوال الشخصية وخاصة بعد إنشاء محكمة الأسرة.
ولم يكن نجاح ماما نجوى فى مهمتها الأسرية والعائلية، أقل من نجاحها المهني، فقد نال كل من حولها نفس القدر الكبير من الاهتمام والرعاية، وعزاؤنا أنها أنجبت اثنين من كبار أساتذة الطب فى مصر والعالم، وهما الأستاذ الدكتور عصام الطوخى أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة القاهرة (قصر العيني)، وعميد كلية الطب بجامعة «بادية»، والأستاذ الدكتور طارق الطوخى أستاذ طب النساء والولادة فى لندن، كما تركت أحفادا منهم من سار على خطى آبائهم، ودرس الطب ومنهم من اتجه إلى تخصصات علمية أخري.
أنا شخصيا، وعرفانا بأفضال إشراق بسيوني، سميت إحدى بناتى على اسمها، وقد كانت نوجا سعيدة بذلك وتتابع ابنتى وتسأل عنها حتى تخرجها فى كلية الألسن.
ودعنا إنسانة «ملائكية»، وروحا طيبة بكل المقاييس، لكنها ستظل مشرقة مثل الشمس لا تغيب أبدا، رحم الله «نوجا» رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته، ورفع درجاتها فى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.