يبدو أن رياح التباطؤ بدأت تهب بقوة مع عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض.. فرغم إعلانه بثقة أن «العصر الذهبى لأمريكا» قد بدأ، سرعان ما عكست المؤشرات الاقتصادية قلقاً متزايداً، ليس فقط فى الأرقام، بل أيضاً فى ثقة المواطنين والمستثمرين.
المواطنون الأمريكيون، الذين كانوا أكثر تفاؤلاً فى بداية العام، باتوا اليوم أكثر تشاؤماً، إذ انخفض مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان إلى أدنى مستوى له منذ عام 2023، كما سجل مؤشر آخر صادر عن مؤتمر الأعمال تراجعاً حاداً فى توقعات المستهلكين، ما عزز المخاوف من انكماش اقتصادى وشيك.
أحد العوامل الرئيسية وراء هذا التشاؤم هو القلق من ارتفاع التضخم، خاصة مع سياسات ترامب التجارية التى أعادت فرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على الواردات من كندا والمكسيك، و10٪ على السلع الصينية، وقد بدأت بالفعل تداعيات هذه السياسات تؤثر على سلوك المستهلكين، حيث تراجعت مبيعات التجزئة فى يناير بنسبة 0.5٪، وهو أكبر انخفاض منذ أربع سنوات.
التباطؤ لم يقتصر على الاستهلاك، بل بدأ يلقى بظلاله على سوق العمل، حيث ارتفعت طلبات إعانة البطالة إلى 242 ألف طلب، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر الماضي، حتى وول ستريت شارع المال العالمى لم تكن بمنأى عن القلق، إذ انخفضت الأسهم بنسبة 2٪ خلال الشهر الماضي، مع تراجع ثقة المستثمرين الذين كانوا متحمسين لفوز ترامب.
لكن سياسات ترامب هى ليست العامل الوحيد فى المعادلة، فهناك تحديات أخرى تلقى بثقلها على الاقتصاد الأمريكي، أبرزها أزمة العقارات، فمع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، تراجعت مبيعات المنازل إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2001، مما يعمق تباطؤ القطاع.
إلى جانب ذلك، تعكس الاستطلاعات الاقتصادية انقساماً سياسياً واضحاً: فالديمقراطيون أكثر تشاؤماً حيال المستقبل، بينما الجمهوريون أكثر تفاؤلاً ـ فى صورة معكوسة لما كان عليه الوضع خلال رئاسة سلفه جو بايدن.
فى الحقيقة التوقعات تشير إلى أن المخاوف ستتزايد فى الأشهر المقبلة، حتى لو قرر ترامب تأجيل بعض الرسوم الجمركية، فإنه يبدو مصمماً على مواصلة سياساته الحمائية، التى قد تخفض معدل النمو الاقتصادى بنحو نقطة مئوية وفقاً لتحليلات بنك مورغان ستانلي، كما أن عدم القدرة على التنبؤ بقراراته حول مستقبل السياسات التجارية يدفع الشركات إلى التريث فى قرارات الاستثمار.
فى ظل اقتراب أسعار الفائدة على القروض العقارية من 7٪، سيظل سوق العقارات تحت الضغط، ما يزيد من احتمالات تباطؤ النمو الاقتصادي، بغض النظر عن هوية الرئيس لكن مع وجود رئيس حمائى ومتقلب فى البيت الأبيض، قد يأتى هذا التباطؤ أسرع وأكثر حدة مما كان متوقعاً.