فى ضوء حرب الإبادة الجماعية التى تشنها اسرائيل ضد الفلسطينيين منذ ٧ أكتوبر 2023 وحتى الآن سيثور سؤال فى العالم أجمع: لماذا يكره الإسرائيليون السلام؟ وهل من الممكن أن يعيش الإسرائيليون داخل حدود دولتهم – التى لم تتحدد بعد – فى سلام مع جيرانهم.. الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والمصريين وغيرهم من الدول العربية فى الخليج وشمال افريقيا؟ بعبارة أشد وضوحا، هل سيأتى اليوم الذى تقبل فيه إسرائيل بالتعايش السلمى مع العرب؟ الإجابة عن هذا السؤال الوجودى للشرق الأوسط كله فى غاية التعقيد ولذلك يتطلب فهم التجمع الإسرائيلى وكيف يقود الصراع والحرب ضد الجيران إلى وحدة الاسرائيليين، كما ان السلام بين الدول يتطلب أن تكون الدول طبيعية أى تجمع بين الأرض والشعب والحكومة والاعتراف الدولى والواقع ان اسرائيل تعانى من عدة جوانب تدفعها من أجل البقاء دفعا إلى معاداة جيرانها تطبيقا لنصيحة ماكيافيللى الدبلوماسى الايطالى الفذ فى كتابه الشهير «الأمير» حين نصح الأمير الحاكم بأنه فى حالة الانقسام الداخلى على الأهداف وانتشار العنف وبدء المساس بالأمير عليه اشعال حرب خارجية بحجة تهديد وجود الدولة وأمتها وجلب المواطنين القرار وبين «اليهود» الليبراليين فى العالم وداخل المؤسسات العسكرية وفى كل من الدول الكبرى ودول جنوب هو من يردع اسرائيل؟
وليس المقصود من ردع اسرائيل إزالتها أو التقليل من رغبة حكامها وشعبها فى إقامة دولة «يهودية» صرخة وليس المقصود حصارها وخنقها وإنما القصد هو أن تتحول من دولة مارقة وعاصية إلى دولة طبيعية من دولة توسعية عينها على أراضى فلسطين وبعض من أراضى الدول العربية المجاورة إلى دولة لها حدود معترف بها كغيرها من الدول ردع اسرائيل يعنى تخليها عن الارهاب الذى يمارسه وزراؤها المتطرفون والذين يسلحون المستعمرين ضد الفلسطينيين المدنيين والاستيلاء على أراضيهم وزراعاتهم وبيوتهم وطردهم تمهيدا لبناء مستعمرات اسرائيلية، ردع اسرائيل يتطلب الضغط عليها للانضمام إلى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية تحسباً للدخول فى سباق نووى فى المنطقة لا تحمد عقباه، كما ان ردع اسرائيل يعنى قبولها بدولة فلسطينية مستقلة فى الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية تعيش جنبا إلى جنب بجوار اسرائيل فى تعايش سلمي.
بيد ان ردع اسرائيل والذى عجزت عن تحقيقه الأمم المتحدة لا يمكن أن يتحقق فى ظل استمرار الدعم الأمريكى والأوروبى غير المحدود لإسرائيل والذى يشمل السلاح والذخيرة والقوات الخاصة والمدد المالى المكثف.
ان تدفق هذه المساعدات منذ ٧ أكتوبر وحتى اليوم هو الذى يشجع إسرائيل على الإبادة الجماعية للفلسطينيين وتجويعهم ومحاولة التخلص منهم إما بالقتل أو بالتهجير القسري، كما ان تحيز المؤسسات التشريعية والتنفيذية فى الغرب إلى جانب اسرائيل وضد الفلسطينيين بل والعرب بصورة عامة يكرس الغرور الإسرائيلى ويعقد من الصراع الفلسطينى – الاسرائيلى والعربى – الاسرائيلى بما يجعل المنطقة وربما العالم على شفا حرب وجودية لا تبقى ولا تذر خصوصا وان الاسرائيليين يؤمنون بالأرماجدون والتى تعنى إما نحن كما نريد أو نهاية العالم!!
إن ردع إسرائيل وتحولها إلى دولة طبيعية تعيش فى سلام مع جيرانها فلسطين ومصر والأردن وسوريا ولبنان يمكن أن يتم إذا توافرت عدة شروط أولها فداحة الخسائر البشرية الاسرائيلية فى الحرب الدائرة اليوم وغيرها من الحروب بصورة تخلق قلقا اسرائيليا على قدرتها على تحقيق الأمن وإلا ظهرت الهجرة العكسية للإسرائيليين إلى خارجها وثانيها أن تتسع دائرة وأعداد الدول الأوروبية التى تعترف بدولة فلسطين، كما فعلت اسبانيا وإيرلندا والنرويج وغيرها بصورة تخلق قلقا وانزعاجا فى اسرائيل.
وتوضح جميع محاولات التسوية السلمية للحرب الراهنة والتى تتضمن وقف القتال والإفراج عن الرهائن لدى حماس والمسجونين الفلسطينيين لدى اسرائيل كيف ان اسرائيل لا تقبل بالعيش فى سلام مع الفلسطينيين وان ادعاء استمرار الحرب حتى القضاء على حماس هو ادعاء كاذب وكأن حماس هى القوة العظمى والنووية فى النظام الدولى والجميع يعلم ان هدف حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين يستهدف تصفيتهم أو تهجيرهم خارج فلسطين وبالتأكيد هناك هدف شخصى يتعلق بحماية مستقبل نتنياهو السياسى ومصيره بشأن الأحكام القضائية ضده ومن المؤكد ان المساندة الأمريكية غير المشروطة لإسرائيل تغرى الأخيرة باستمرار نهجها المعروف بإشعال الحروب الإقليمية التى تسمح لها أولاً بالتماسك الداخلى وثانياً بالتوسع الإقليمى territorial على حساب فلسطين والدول العربية، الحكمة التاريخية تؤكد أن الدول القائمة على التوسع والإبادة الجماعية للسكان الأصليين – ما عدا الولايات المتحدة – لم تستمر كثيرا إلا إذا تحولت إلى دولة طبيعية تعيش فى سلام مع جيرانها وداخل حدود معترف بها وهو ما لا يتوافر لإسرائيل.