الفشل العسكرى الميدانى فى غزة، وتصدع الجبهة الداخلية سياسيا وشعبيا بسبب استمرار الحرب دون تحقيق أى هدف من أهدافها المعلنة، وتحول الرأى العام العالمى وعديد من الحكومات التى كانت تناصر إسرائيل إلى تأييد حقوق الشعب الفلسطينى والاعتراف بالدولة الفلسطينية، ثلاثة عوامل رئيسية وراء الجنون الذى أصاب رئيس الحكومة الإسرائيلية – نتنياهو – وجعله يسعى لأن يجعل ميدان معركته هو الشرق الأوسط كله، وليس قطاع غزة أو كل الأراضى الفلسطينية المحتلة.
التحول من المواجهة العسكرية الميدانية، إلى سياسة الاغتيالات الفردية لقيادات فصائل وقوى المقاومة، واعتماد منهج فتح كل الجبهات لإشعال المنطقة كلها، ليس إلا تعبيرا عن إحساس عميق لدى القيادة الإسرائيلية بالضعف والتراجع، وبالتأثير السلبى الكبير لذلك على مستقبل إسرائيل.
لاحظوا تصريحات نتنياهو وكل قادة إسرائيل من سياسيين وعسكريين التى تتحدث عن أن إسرائيل تخوض حربا «وجودية» رغم أن أحدا لم يهددها كدولة داخل حدودها المعروفة حتى يونيو 1967 وكل ما يريده الشعب الفلسطينى ومقاومته الباسلة هو تحرير أرضه المحتلة منذ ذلك التاريخ وإقامة دولته المستقلة على هذه الأرض، لتعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل وهو الإطار المعترف به دوليا باسم «حل الدولتين».
لاحظوا تصريحات نتنياهو وكل قادة إسرائيل من سياسيين وعسكريين التى يتكرر فيها الحديث يوميا خلال الفترة الأخيرة عن قوة «الردع» الإسرائيلية، وعن محاولة إحياء فكرة «الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر» والتى دفنها أبطال الجيش المصرى فى رمال سيناء فى حرب أكتوبر 1973 وترديد التأكيد على جاهزية هذا الجيش الآن بكل أسلحته للحرب على أكثر من جبهة ولمواجهة أى قوة، دفاعا وهجوما وتوجيه ضربات استباقية لأى طرف يفكر فى الاعتداء على إسرائيل.
تصريحات تنطلق من إحساس بالخوف، بل بالفزع من المستقبل.. محاولة لإرهاب الإقليم كله – شعوبا وحكومات.. محاولة لتنصيب إسرائيل بقيادة نتنياهو «كبيرا» للشرق الأوسط ووصياً عليه وإلغاء ما دونها، وبسط سيطرتها على المنطقة بقوة الإرهاب والردع.
وكل ذلك – للأسف – بدعم سياسى وعسكرى من الولايات المتحدة التى تطلق يد إسرائيل فى المنطقة لتعربد فيها كما تشاء، وتتعهد بحمايتها إذا فكر المعتدى عليهم أو المتضررون من هذه العربدة فى الرد.
>>>
توقعوا أن تستمر حالة الجنون والهيستيريا الإسرائيلية وتتصاعد كلما اقتربنا من شهر أكتوبر الذى يفصلنا عنه وعن مناسباته اليوم شهران بالتمام والكمال.
أكتوبر هذا العام بالذات ذكرى بطعم العلقم بالنسبة لإسرائيل.
كان أكتوبر على مدى نصف قرن مضى عقدة تاريخية لإسرائيل بهزيمتها فى السادس منه على أرض سيناء.
وكانت إسرائيل تستعد لكل أكتوبر من كل عام، بعمل تحاول فيه إفساد فرحة واحتفال المصريين والعرب بانتصارهم، إما بإظهار قدرتها على الردع، أو بتزييف التاريخ بروايات مفبركة ولا أساس لها عن الحرب.
أكتوبر هذا العام سيحمل لإسرائيل مع ذكرى حرب 1973 الذكرى الأولى لعملية «طوفان الأقصي» فى السابع منه والتى تعتبرها إسرائيل «عاراً تاريخياً» لم تنته تداعياته بعد.
ويجاهد نتنياهو ألا تحل هذه الذكرى المزدوجة قبل أن يكون قد حققق انتصارا لإسرائيل يعيد به كتابة تاريخ جديد له وللدولة.
ولأن نتنياهو لا يفكر إلا فى الحرب والإرهاب ولا يرى نصرا أو هزيمة خارجهما فلن ينجح لأن «السلام» الذى لا يرد ذكره على لسانه أو فكره هو النصر الحقيقي.
ويستطيع نتنياهو أن يتأكد من ذلك لو عاد بذاكرته وذاكرة إسرائيل عقودا إلى الوراء وسأل نفسه:
ماذا حققت إسرائيل من أهداف من استمرار احتلالها للأراضى الفلسطينية ومحاولاتها طمس هوية الشعب الفلسطينى وصولا إلى حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير والتمدد الاستيطانى السرطاني؟!
وماذا حققت من أهداف من وراء اغتيال العشرات من قادة الشعب الفلسطينى ومقاومته من الشيخ ياسين حتى إسماعيل هنية مرورا بسلسلة «الآباء وأشهرهم» «أبو جهاد» الذى اغتالته ورفاقه فى غارة جوية فى تونس؟!
إن الاستمرار فى نفس السياسات لن يحقق إلا نفس النتائج.. لم تصبح إسرائيل أكثر أمناً ولن تصبح.. ولم يندثر الشعب الفلسطينى كالهنود الحمر فى أمريكا أو يتخلى العالم عن قضيته وحقوقه بل يزداد صلابة وتحديا وإقناعا للعالم بمشروعية نضالية.
من هنا فإن واجب كل دول المنطقة بل والمجتمع الدولى التصدى بكل قوة لسياسة الإرهاب الإسرائيلى لأن التهاون معها يعرضنا جميعا للخطر.
ليس فقط التصدى للإرهاب الإسرائيلي، بل لانتهاج سياسة أكثر وخصوصا مع من يدعم هذا الإرهاب ويسانده ضد مصالح شعوب المنطقة واستقرارها.
فنحن فى لحظة مواجهة لا تجدى فيها أنصاف الحلول ولا الإمساك بالعصا من المنتصف.. بل إقرار الحقوق واحترام الالتزامات من جانب كل الأطراف.. وأن يكون الشرق الأوسط لكل أهله وليس منطقة نفوذ لأحد من داخله أو خارجه.