رحم الله الرئيس السادات.. بطل الحرب والسلام استطاع أن يعيد لمصر أرضها المغتصبة.. وأن يكسر أنوف قادة إسرائيل المتغطرسين، ولا ننسى المشهد التاريخى الدرامى وهم يقفون فى استقباله بمطار بن جوريون لحظة هبوط طائرته حاملاً مبادرته التاريخية بالسلام وهو يصافحهم، ويلقى فى سمع كل منهم كلمات تحمل الكثير من المعانى والعبر أكثر مما تحمل من نشوة الانتصار، انتصار القائد وانتصار الشعب والجيش الذى حطم اسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر.
ولكن بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على هذه المبادرة التاريخية للسلام.. وبعد التطورات الكثيرة منذ عودة اليمين الإسرائيلى المتطرف مرة اخرى إلى سدة الحكم فى إسرائيل وفى مقدمتهم سفاح القرن نتنياهو الذى ظهر على الساحة منذ بداية هذا القرن وعبثه بكل اتفاقيات السلام الموقعة سواء بين مصر وإسرائيل أو السلطة الفلسطينية ثم أكبر مذابح التاريخ ووحشيتها ضد الشعب الفلسطينى والإبادة الجماعية لشعب غزة بعد عملية طوفان الأقصى التى اتخذ منها وأقرانه المتطرفون ذريعة لتنفيذ مخططه وإحياء خزعبلات وأساطير الأقدمين نحو القدس وأحلام التلمود الصهيونى من النيل إلى الفرات.
بعد كل هذا الاجرام والعبث التاريخى بالسلام ومقدرات الشعوب.. يحق للأجيال العربية المعاصرة التى شاهدت حجم الدمار والقتل والتشريد للفلسطيين أن نتساءل فى هذا المنعطف التاريخى: هل منح الرئيس السادات إسرائيل سلاماً لا تستحقه؟!.
<<<
سؤال أظنه مشروعاً الاجابة عليه تعنى مسألة شكسبير الشهيرة: هل يكون العرب أم لا يكونون.. ذلك لأن السكوت عن جرائم إسرائيل التى استطالت وتمددت خلال الستة عشرة شهراً الأخيرة تجاه الشعب الفلسطينى وايضا فى لبنان وسوريا يمكن أن تطال دولاً ومدناً عربية اخرى، ليس بالضرورة بعد عام أو عامين أو عشرة.. بل يمكن أن تقع بعد عشرين أو ثلاثين عاماً.. فماذا تعنى هذه الأرقام فى عمر الزمن والتاريخ الذى لا يحسب بالعقود فقط، ولكن ايضا بالقرون من السنين.. إذن فالمسألة جد خطيرة بعد مأساة غزة الأخيرة التى فضحت المخطط الصهيونى المريب والتى خلفت وراءها أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد ومصاب أغلبهم من النساء والأطفال.. ودمرت تلك البقعة الفريدة من المنطقة العربية بتاريخها وتراثها الإنسانى وموقعها الجغرافى بين العرب فى قارتى آسيا وافريقيا.
<<<
لا أستطيع أن أحسب كم كان عمر نتنياهو ورفاقه من اليمين الإسرائيلى المتطرف عندما ألقى الرئيس السادات خطابه التاريخى فى الكنيست الإسرائيلى وأعرب فيه عن أماله وأحلامه بأن تضع شعوب المنطقة حداً للحروب والصراع العربى الإسرائيلى ويفهموا معنى وقيمة السلام باعتباره هدفاً غالياً وثميناً يستحق كل التضحيات.
هل يحتاج جيل نتنياهو من الساسة والإسرائيليين الذين يتصارعون الآن على السلطة فى إسرائيل أن نذكرهم ونردد عليهم كلمات الرئيس السادات فى خطابة التاريخى بالكنيست عندما قال: إننا نريد أن تخرج من نفوسنا الألم ومرارة الحروب وكوراثها.. وقتها أكد لجيل مناحم بيجين وجولدامائير وموشى ديان أن الجيل الذى عاش وعايش الحروب المتكررة فى أعوام 48 و56 و67 و1973 قد يكون من الصعب عليه أن ينسى هذه المرارة.. ومشاعر الحزن والأسى على ضحاياه فى هذه الحروب وأن الأجيال الأخرى الجديدة التى ستتوالى بعد ذلك يمكن أن تبدأ مع بعضها البعض صفحة جديدة من التعامل الإنسانى والتعاون الذى يطلق عليه الآن التطبيع.. وها هى السنون قد مرت بكل تطوراتها والجرائم والممارسات الإسرائيلية لم تتوقف وتصاعدت فى زمن نتنياهو إلى حد العبث.. فماذا هو حال تلك الأجيال الجديدة وماذا عن مشاعرهم تجاه إسرائيل ورغبتهم فى مجرد سماع اسمها وليس التطبيع أو التعاون مع شعبها؟!.