قد يتساءل البعض من أين يستمد رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو وحكومته كل هذه القوة والجراة، إلى حد المغامرة، بالقيام بكل ما يستطيعون من مناورات لعرقلة اية جهود لوقف الحرب على غزة وفتح أفق لتسوية سياسية وتحقيق السلام مع الفلسطينيين وفى منطقة الشرق الأوسط، والسعى بدأب بشن اعتداءات فى كل الاتجاهات غير مكترثين بما قد تؤدى اليه هذه الاستفزازات من توسيع نطاق الحرب التى قد تشعل المنطقة ويصعب السيطرة عليها.
ان الإجابة واضحة للغاية وقد تمثل ذلك فيما تحظى به إسرائيل من دعم وحماية عسكرية وسياسية ومالية من الولايات المتحدة الأمريكية بعرقلة صدور اى قرارات تدين إسرائيل واذا صدرت فانها تعرقل تنفيذها. وقدمت واشنطن لإسرائيل خلال ثمانية اشهر فقط منذ8أكتوبر 2023 نحو 42 مليار دولار امريكى فى شكل أسلحة ومساعدات اقتصادية ومالية. ولقى خطاب نتنياهو المليء بالمغالطات والاكاذيب أمام الكونجرس الأمريكى تصفيقا وتهليلا غير مسبوق خاصة عندما قال نتنياهو ان إسرائيل تحارب من أجلها ومن أجل امريكا ومن ثم فإن عليهم امداده بالسلاح، وأنها حرب الحضارة ضد الهمجية، ولن توقف إسرائيل الحرب الا بعد ان تستسلم حماس أو ان يتم القضاء عليها، ولن تتخلى إسرائيل عن سيطرتها الأمنية على قطاع غزة بعد توقف الحرب وتحقيق أهدافها.
هكذا تحدث نتنياهو وهكذا لقى من الدعم والمساعدات الأمريكية أكثر مما كان يحتاجه أو يتوقعه دون ان يمنع ذلك مقاطعة واعتراضات عدد من أعضاء الكونجرس ولا المظاهرات الحاشدة أمام الكونجرس، ولا شك انه فى الجلسات السرية خلال زيارته واشنطن تلقى نتنياهو ضوءا أخضر للقيام بما يرى انه دفاع عن إسرائيل بدعوى انه دفاع عن النفس ضد كل من يهددها، وأن امريكا ستدافع عن إسرائيل ضد تعرضها لاى خطر.
يضاف إلى ذلك ادراك نتنياهو وحكومته ان الإدارة الأمريكية منشغلة تماما بالانتخابات ودعم المرشحة الجديدة كامالا هاريس ولن تمارس اية ضغوط على إسرائيل حتى إجراء الانتخابات فى ٥ نوفمبر 2024 وربما بعدها إلى أن تبدأ فترة الرئيس المنتخب فى أواخر يناير 2025 حيث لن يقل الدعم الامريكى لإسرائيل ايا كان ساكن البيت الابيض، ويطلق الأمريكيون على الرئيس الامريكى فى الفترة الحالية صفة «البطة العرجاء».
كما أن وزير الخارجية الامريكى أنتونى بلينكن كان قد خصص الجزء الأكبر من جولاته الثمانية فى المنطقة لضمان عدم تدخل أطراف اقليمية ضد إسرائيل وعدم توسيع نطاق الحرب، وشمل ذلك إيران وكان الاتصال معها عن طريق وسطاء اقليميين ودوليين،كما أن اوضاع لبنان الاقتصادية والسياسية المتأزمة ادت إلى رفض الحكومة والبرلمان والرأى العام القوى لاى تصعيد من حزب الله مع إسرائيل.
لقد أصبح نتنياهو مؤمنا بالدعم الأمريكى غير المحدود وتحجيم اى تدخل اقليمى لادنى حدود ممكنة، ومن ثم استمر فى العمل العدوانى على عدة جبهات ابتداء من تعطيل مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة، واستمرار عمليات التدمير والقتل والتشريد للفلسطينيين، استهداف واغتيال قيادات المقاومة الفلسطينية ومنهم القائد العسكرى لقوات القسام محمد ضيف ثم الجعبرى، وعدد من قادة حزب الله وكان أهمها اغتيال فؤاد شكر القائد العسكرى الأعلى لحزب الله وتوجيه رسالة إلى حزب الله ان إسرائيل قادرة على اغتيال من تريد من قياداته بمن فيهم حسن نصر الله نفسه كما أعلن مسئول مخابرات إسرائيلي. وكانت عملية الاغتيال الأكبر بالنسبة لحركة حماس هى اغتيال رئيس المكتب السياسى اسماعيل هنية فى العاصمة الإيرانية طهران، وهو رئيس وفد حماس المفاوض من أجل وقف القتال، ويعد من قادة حماس المعتدلين، وايضا توجيه رسالة لإيران ان إسرائيل قادرة على اختراق كل تحصيناتها الأمنية وقتل علمائها ومن تريد من ضيوفها أعداء إسرائيل. ولم تكتف إسرائيل بذلك بل شنت هجوما على سوريا وهدد نتنياهو ووزراء حكومته الجميع واكدوا أن إسرائيل مستعدة لمواجهة جميع الاحتمالات. وصدر عن واشنطن فى نفس الوقت ما يؤكد ان من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وأنها اذا تعرضت لخطر فإن امريكا ستدافع عنها لانها ملزمة بدعمها.
بالرغم من كل ذلك ما تزال واشنطن تتحدث عن استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، لأنها لاتريد أكثر من ذلك للتغطية على عدوانية واستفزازات نتنياهو وحكومته دون وجود نية حقيقية لممارسة اية ضغوط امريكية أو غيرها على إسرائيل فى المرحلة الحالية.
وقد أنذر حسن نصر الله بأن حزب الله سيستأنف عملياته ضد إسرائيل كما كان أى فى حدود قواعد الاشتباك التى لا تؤدى الى التصعيد وان وقفها مرتبط بوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وفصل عملية الرد على اغتيال إسرائيل القائد فؤاد شكر عن العمليات الحالية وأكد أن الرد ات لاريب فيه ولكن بدراسة وحكمة، وهو ما يشير إلى عدم الرغبة فى التصعيد مع إسرائيل إلى مستوى الحرب الشاملة. اما إيران فتوعدت بالرد على إسرائيل لمقتل اسماعيل هنية والاعتداء على سيادتها واختراق أمنها، ويبدو أن ما قاله حسن نصر الله يعد مؤشراً على نوعية الرد الإيرانى المتوقع أى أن يكون بدوره مدروساً وبحكمة دون التصعيد إلى مستوى الحرب الشاملة، لأن الدخول فى حرب شاملة مع إسرائيل ولو عن طريق الوكلاء سيؤدى إلى مزيد من الدمار واشتعال المنطقة فى مرحلة تسعى فيها إيران إلى تحسين اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وتحسين علاقاتها مع الجوار وفتح مجال لاحداث انفراجة مع الدول الغربية بما فيها والولايات المتحدة الأمريكية اذا تجاوبت معها وفقا لما تسفر عنه الانتخابات الامريكية.
لذا يتوقع حدوث بعض التصعيد المحسوب من إيران ووكلائها فى المنطقة انتقاما لما لحق بهم من اهانة وعدوان إسرائيلى مع الحرص على عدم وصول التصعيد إلى حرب شاملة كما تريد إسرائيل. اما إسرائيل فقد استطاعت تحويل الانظار ولو نسبيا عما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وخرق لكل القوانين فى قطاع غزة ولو لفترة محدودة.