يخطئ من يظن أن المقصود ببناء الإنسان فى الجمهورية الجديدة هو زيادة المخصصات المالية لقطاعى الصحة والتعليم فى الموازنة العامة للدولة.
لأن بناء الانسان مهمة أكبر بكثير من مجرد توفير الأموال لإنشاء المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية.. وأكبر من أن تقوم بها إدارة الأبنية التعليمية أو وزارة الصحة.
إنها مهمة لبناء العقل، وزيادة الوعي، وترسيخ الانتماء، وتنمية الشعور بالمسئولية، وتغليب المصلحة العامة على كل المصالح الخاصة، والارتقاء بالنفس وروح الابداع.
وهذه المهمة لا تحتاج فقط لتعديل المناهج الدراسية، أو تغيير نظام الثانوية العامة، أو توفير أجهزة للأشعة وغرف للعمليات، وإنما تحتاج لإستراتيجية متكاملة ورؤية مستقبلية يشارك فى وضعها السياسيون والاقتصاديون والمثقفون ومراكز البحث وخبراء الاجتماع ورجال الدين ووسائل الإعلام.
استراتيجية تبدأ بإعداد الطفل فى الحضانة إعداداً جيداً بدنيا وذهنيا ونفسيا، وبتأهيل معلم المرحلة الابتدائية القائم على إعداد النشء تأهيلا يجعله قادرا على وضع اللبنة الأولى فى أساس المجتمع، وبوجود استاذ الجامعة القادر على تخريج أجيال قادرة ومستعدة وجاهزة لسوق العمل والتعامل مع متغيراته.
استراتيجية تقوم على مبدأين أساسيين:
– وجود قناعة وإرادة لدى القائمين على إدارة شئون الملفات والوزارات بأن الارتقاء بمستوى معيشة المواطن هو محور أى قرار أو إجراء أو مشروع تقيمه الحكومة أو أى قانون يصدره البرلمان.
– إن جميع المواطنين أمام القانون سواسية، وأنهم شركاء فى تحمل مسئولية النهوض بالوطن وتقدمه، قبل أن يكونوا شركاء فى التمتع بمقدراته وثرواته.
– أن يشعر المواطن أنه حر فى وطنه وأنه يمتلك الحق فى أن يكون له رأى مسموع فى كل قضايا الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كان «بناء الانسان المصري» هو شعار الدولة فى الجمهورية الجديدة.. وهو المهمة الأكبر التى ستتحملها الحكومة الجديدة.. فلابد أن تكون كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى وتوجيهاته خلال افتتاحه لعدد من المشروعات التنموية بجنوب الوادى منذ أيام، هى نقطة الانطلاق، والخطوة الأولى فى الطريق الطويل الذى قررنا ان نسلكه.
توجيهات الرئيس لم تكن فقط لوزراء الحكومة السابقة، بل كانت لجميع المسئولين فى الدولة. وهى توجيهات واضحة وحاسمة: ضرورة مكاشفة الشعب ومصارحته بكافة الحقائق.. ليس فقط بالإنجازات وبالجهد المبذول، ولكن أيضا بالمشكلات والتحديات التى تواجهها الدولة داخلياً وخارجياً.
وليس الهدف المقصود من مكاشفة ومصارحة المواطن بالتحديات والمشكلات هو مجرد العلم بها ليتمكن من الصبر عليها وتحمل تبعاتها، وانتظار حلها والتغلب عليها باعتبارها مسئولية الحكومة، لكن المقصود – وهذا ما أتصوره – أن يكون المواطن شريكا للحكومة وللمسئولين فى مواجهة التحديات واتخاذ القرارات ووضع الحلول وفى اقتراح الطرق لتجاوزها، وفى ظنى أن هذا هو الهدف المقصود من عقد جلسات الحوار الوطنى الذى أمر به الرئيس، وهو المقصود من نشر ما يسمى بموازنة المواطن، وبالندوات والمؤتمرات التى تعقدها الأحزاب والتحالفات الوطنية المختلفة.