الصبر الإستراتيجى».. كان أصدق تعبير أطلقه البعض من الدبلوماسيين والمراقبين فى الشرق الأوسط عن الأداء والتعامل المصرى مع الأحداث فى المنطقة والتصعيد الخطير الناتج عن عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر 2023.
بالتأكيد، لم يكن هذا الصبر خنوعاً واستسلاماً لانتهازية الكيان الصهيونى ومحاولته استغلال هذه العملية التى قامت بها حماس وكشفت مدى هشاشة الاستخبارات الإسرائيلية فى الكشف عن هذه العملية العسكرية قبل حدوثها، واستغلال الدعاية الاسرائيلية فى خداع العالم بأنها محرقة أخرى لليهود، وقتل وترويع للأبرياء والأطفال والنساء، لتنتقم بعد ذلك انتقاماً شنيعاً من الشعب الفلسطينى فى حرب إبادة جماعية لأهل غزة وتدمير شامل للقطاع، الآن سفاح القرن نتنياهو يحاول تكرار سيناريو غزة فى جنين بالضفة الغربية.. لعل ذلك يطيل من أمد بقائه فى السلطة بعض الشىء بعد فشله فى تحقيق أهدافه من حرب غزة وانكشاف سياساته الفاشلة أمام المواطن الاسرائيلى الذى سيطيح بحكومته فى أقرب انتخابات قادمة.
>>>
هذا الصبر الإستراتيجى المصرى الذى قادته الدبلوماسية الرئاسية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى مع كل قادة وزعماء العالم وكل الأطراف المعنية فى التعامل مع الموقف والأحداث التى اشتعلت فى المنطقة على مدى 15 شهراً.. كان عنواناً لسياسة مصر الدولة الكبرى المحورية فى منطقتها التى أهم ما يميزها القوة والحكمة فى مواجهة أصعب الظروف والتحديات الطارئة.. وقد كانت بداية هذا الصبر الإستراتيجى إعلان الرئيس السيسى من الوهلة الأولى ولدى مباحثاته مع المستشار الألمانى شولتز وعبر المحافل والمؤتمرات الدولية رفض مصر البات والقاطع لعملية تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، فى تأكيد صريح وواضح أن هذا يعنى تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء لحق الشعب الفلسطينى فى استعادة دولته وعيشه على تراب أرضه- حتى ولو صارت ركاماً- كما هو الواقع الآن.. ينتظر التعاون الدولى من أجل الإعمار.
ومن هذا المنطلق الحاسم القاطع، نصت سياسة مصر على كل المحاور والمحافل الدولية تؤكد أنه لا سبيل سوى وقف هذا العدوان الإسرائيلى الغاشم، وضرورة توفير الإغاثة الإنسانية لشعب غزة، وهو ما ساعده على صموده وكفاحه على أرضه والتشبث بها ورفضه مغادرة القطاع رغم المجازر الاسرائيلية التى طالت فى معظمها الأطفال والنساء.. وذلك حتى تحقق الهدف من هذا الصبر الاستراتيجى بتوقيع اتفاق الهدنة بوساطة مصرية- قطرية- أمريكية كخطوة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية.
>>>
لم يكن مصادفة أن يأتى هذا النجاح السياسى المصرى فى الخارج مع نجاحها وثباتها فى الداخل مع تلك التحديات والمؤامرات التى دائماً تحاك لها مع ذكرى أحداث يناير 2011، ومحاولة أهل الشر استغلال بعض الصعوبات المعيشية التى تواجه المصريين كما تواجه كل شعوب العالم بفعل التداعيات الاقتصادية العالمية.
هذه الذكرى تعاظمت فيه الأجواء الاحتفالية لعشرات الآلاف من المصريين فى الشوارع والميادين مع احتفالات عيد الشرطة المصرية وافتتاح معرض الكتاب وسعادة كثير من الأسر المصرية بإجازة نصف العام الدراسى، وكذلك بدء الاستعداد لتوفير احتياجاتهم لشهر رمضان الكريم لتمتلئ الشوارع والمتنزهات بالوجوه المصرية البشوشة التى يملؤها الأمل مهما كانت الصعوبات بإدراك أن الإدارة السياسية المخلصة تبغى لهم الخير وتوجه الحكومة بالعمل على محاصرة التضخم وضبط الأسواق وتوفير الحياة الكريمة لهم مع استدامة المشروعات والمبادرات التى تحقق لهم معيشة أفضل فى ظل سعى مصرى دائم لتحقيق السلام وحل المشكلات بالطرق السلمية كسياسة تتبناها مصر الكبيرة الحكيمة.