مواقف سانتشيث تعبر عن موقف دائم
من زعماء أوروبا يبرز اسم رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانتشيث، الداعى إلى الاعتراف بدولة مستقلة للفلسطينيين، بحدود 67، كاملة العضوية فى منظمة الأمم المتحدة، بعدما أعلن مطلع أبريل الحالى إن بلاده ستعترف بها فى يوليو المقبل، معتبرا ذلك أولوية السياسة الخارجية له. كما انتقدت وزيرة الحقوق الاجتماعية الاسبانية وزعيمة حزب «نستطيع» اليمينى المتطرف، أيونى بيلارا، النفاق فى أزمتى غزة وأوكرانيا، وأدانت إبادة الفلسطينيين، واتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، ما أدى إلى استدعاء الاحتلال الإسرائيلى سفير إسبانيا وتوتر العلاقة بينهما. وعندما أوقفت الولايات المتحدة دعمها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، زادت إسبانيا تمويلها بـ3.8 مليون دولار مساعدةً عاجلةً.
ليس من عادة دول غرب أوروبا الاعتراف بفلسطين. لا الاتحاد الأوروبى ولا أعضاؤه يعترفون بدولة للفلسطينيين، سوى السويد منذ فعلت فى 2014، قبلها اعترفت بها ثمانٍ دول أوروبية من شرق القارة فى 1988 حين حكمها بقايا الاشتراكية السوڤيتية. أما إسبانيا، والعضو فى حلف الناتو، فتأييدها للفلسطينيين له أسباب عمرها نحو 100 عام.
فرانكوو العرب
إسبانيا قريبة من أرض العرب من مغربها، واقتربت منها أكثر حين حكمها اليمينى فرانكو (1939-1975) الذى التجأ إلى الدول العربية، بخاصة مصر والأردن والسعودية والعراق، وحرص على ألا يثير حفيظتهم، بعدما وجد فيهم متنفسًا من العزلة التى فرضتها عليه دول الحلفاء.. فلم تصوت إسبانيا على خطة تقسيم فلسطين 1947.
حتى أن إسبانيا رفضت عدة عروض إسرائيلية لإقامة علاقة دبلوماسية، وسارعت إلى رفض الاحتلال الإسرائيلى فى 1967. ولم يوافق فرانكو على الاعتراف بإسرائيل، ولم يعترض على تقرب إسرائيل منه إلا بشرطين: الانسحاب من أراضى 1967، وتدويل القدس (بدلًا من الاحتلال الإسرائيلى الكامل).
وفى حرب 1973، منعت إسبانيا الولايات المتحدة من استخدام القواعد العسكرية الأمريكية فى أراضى إسبانيا فى مد الجسر الجوى لإرسال الأسلحة إلى إسرائيل. بعدها بعام، صوتت إسبانيا بقبول قرارى الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بحق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم وعلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا لهم. مات فرانكو فى 1975، ولم تعترف إسبانيا بإسرائيل بعد!
اعتلى أدولفو سواريث رئاسة إسبانيا، وطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها فى 1967، ودعم حقوق الفلسطينيين فى إقامة دولة لهم. وفى 13 سبتمبر 1979 كان سواريث أول رئيس أوروبى يستقبل ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، رغم اعتراض يهود إسبانيا.
تأخر اعتراف إسبانيا بدولة الاحتلال الإسرائيلى حتى 1986، حين قرر الرئيس فيليبى ماركيث ذلك، لكنه ألحق مع الإعلان بيانًا لرفض إسبانيا ضم أى أراضٍ عربية احتلت منذ 1967 وأى تغيير فى وضع القدس وأى بناء لمستوطنات، ولتأكيد حق تقرير المصير للفلسطينيين؛ هذا ما كرره إعلان مدريد (عاصمة إسبانيا) فى 1989 الذى مهد لاتفاق أوسلو 1993.
فى التسعينات كانت قضية فلسطين محورًا لسياسة إسبانيا الخارجية؛ بادرت مدريد بتوجيه المساعدات إلى الفلسطينيين عبر عدة جهات منها «الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائى الدولي» التى أمدت مؤسسات فلسطين بالمال والخبرة.
شاركت إسبانيا فى كثير من الاتفاقيات السياسية والدبلوماسية مثل بروتوكول الخليل (1997) ومذكرة واى ريڤر (1998) ورباعية مدريد (2002) وخريطة الطريق (2003). كل هذه الاتفاقيات فشلت وأنقصت حقوق الفلسطينيين واشترطت عليهم الكف عن المقاومة (وعلى الإسرئيليين كذلك)، لكن هذا سببه الأكبر استئساد إسرائيل على الفلسطينيين بالدعم الأمريكي.
لكن شهدت السنوات منذ 2004 زيادة فى دعم إسبانيا للفلسطينيين بلغ 100 مليون يورو كل عام. بعد فوز حماس فى انتخابات 2006، طلبت إسبانيا منهم الاعتراف بإسرائيل الا أن حماس رفضت بالطبع لكن ظلت إسبانيا معارضةً لعربدة إسرائيل فى فلسطين ومنها غزة. كما أيدت طلب فلسطين فى 2012 الحصول على وضع دولة مراقبة غير عضو فى الأمم المتحدة.
الاعتراف بدولة للفلسطينيين
فى 2014 أصدر برلمان إسبانيا، بموافقة جميع الأحزاب، قرارًا رمزيًا غير ملزم للاعتراف بدولة للفلسطينيين، إلا أن الحكومة اليمينية حينها قرروا ألا يتم الأمر إلا جماعةً مع باقى دول الاتحاد الأوروبي.
ويرى رئيس الوزراء الأسبانى سانتشيث أن أوروبا ممهدة لذلك الآن؛ فطاف أرضها – وأرض العرب- فى الأيام الماضية، رافضًا قتل الفلسطينيين، وداعيًا إلى الاعتراف بدولة لهم؛ لم تنجح جهوده كثيرًا، وكان هذا متوقعًا، إلا قليلًا ممن تضامنوا معه، منهم أيرلندا؛ الاثنان شككا الاتحاد الأوروبى فى مخالفة الاحتلال الإسرائيلى تعهده فى اتفاقية الشراكة التى أبرماها مع بروكسل فى عام 2000 بأن يحفظ للفلسطينيين حقوقهم الإنسانية.
تعاطف الإسبان والمنظمات المدنية
الإسبان متعاطفون مع قضية فلسطين، لا سيما فى إقليمى الباسك وكتالونيا الذين يسعيان إلى الانفصال عن مملكة إسبانيا، ويرون معاناة الفلسطين فى معاناتهم، حسب المتحدث باسم منظمة «جيرنيكا فلسطين»، إيجور أوتشوا ومقرها فى إقليم الباسك.
لا شك أنه ما من سبيل إلى مقارنة معاناة الفلسطينيين، لكن مدينة جيرنيكا كانت قد شهدت مذبحة على يد النازيين فى 1937 مات فيها آلاف المديين بالقصف الجوي، وهذا أقرب لأن يدرك الإسبان حقيقة أن تقصف إسرائيل غزة بأطنان المتفجرات طيلة شهور.
لا يوجد فلسطينيون كثيرون فى إسبانيا (يقدر عددهم بنحو 5 آلاف)، لكن يدرك الإسبان أن الفلسطينيين الطرف الضعيف فى الصراع وأن من حقهم الدفاع عن دولتهم (بحدود 67)، وتنامى هذا الشعور لا سيما بعد انتفاضة 1987. وبخاصة لدى الأحزاب اليسارية فى إسبانيا.. وظهر ذلك بوضوح فى مواقف رئيس الوزراء الاسبانى ضد العدوان الإسرائيلى على غزة ورفضه الواضح له ولأى محاولات لتهجير الفلسطينيين، ولم تغب المنظمات المدنية عن مساعدتهم فى إنشاء مشروعات تنموية فى قطاع غزة والضفة الغربية؛ أبرزها «المفوضية المدنية لقضية فلسطين» و»المجموعة المدنية من أجل فلسطين» و»شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين». هذه المنظمات وغيرها تبث حملات توعية بقضية فلسطين، ما يسهم، مع الموقف الحكومى الرسمي، فى بث شكوى الفلسطينيين إلى العالم، على الأقل لن يعادوهم!