صراع تاريخى قائم ومحتدم بين أنصار أهل الثقة ومناصرى أهل الخبرة ولكل فريق رؤيته التى تبدو مقنعة، لكن السؤال هل الثقة تغنى عن الخبرة؟ وهل يمكن للخبرة ان تبنى ثقة حقيقية مع مرور الوقت ؟ وهل نضبت الارض عن انتاج أهل خبرة موثوق بهم او أهل ثقة لديهم الخبرة الكافية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور فى ذهنى كثيرا وانا أراقب المشهد العام بطوله وعرضه مهموما ومهتما بكل ما يمس بلادى الحبيبة التى يديرها رجل شريف بكل ما تحمله الكلمة من معان نبيلة، وصلت فى نهاية أشواط من التفكير العميق ان الشرف هو أهم عنصر يجب التنقيب والبحث عنه كما ننقل ونبحث عن المعادن النفيسة فوالذى نفسى بيده ما وجدت كلمة أعظم تأثيرا فى النفس والقلب والروح مثل كلمة « الشرف « التى يُقسم به وعليه كقسم عظيم، فعندما يقسم الرجل الشريف بشرفه ترفع الأقلام وتجف الصحف ولا حديث بعد ذلك، ربما ارتكبت السينما خطيئة كبرى دون ان تدرى وهى السخرية من هذه المفردة العظيمة التى تفعل فى النفس الأفاعيل، حيث تم وضعها فى سياقات كوميدية لا تليق بعظمتها ودلالتها، على سبيل المثال جاءت عبارة « أحلى من الشرف مفيش « على لسان الفنان الكبير توفيق الدقن لتنسف المعنى الحقيقى للكلمة،
>>>
وللكلمة دلالات وانطباعات بحسب استخدامها، فهناك من يستخدمها فى سياقات محدود مثل ما تقول
« شرف الفتاة « والذى ينصب على معان ٍ ضيقة فى مجتمعاتنا العربية، وهناك من يستخدم الكلمة بدلالاتها الكاملة فتخرج معبرة عن صدق وطهارة ونبل وأصل ومروءة وكل المعانى الجميلة المرتبطة بتلك الكلمة العظيمة ، و يُحكى ان عمر بن عبدالعزيز
جلس مع الحسن البصري.
وسأله بمن أستعين على الحكم يابصريّ؟ فقال البصري: يا أمير المؤمنين، أما أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم ..
>>>
وأما أهل الدين فلا حاجة لهم بك، فنظر عمر بن عبدالعزيز مندهشا، فبمن أستعين إذا يا امام؟ قال البصري: عليك بأهل الشرف…فإن شرفهم يمنعهم عن الخيانة، وفى هذا السياق يقول عنترة بن شداد
لا تَسقِنى ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
بَل فَاِسقِنى بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ
وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
ويقول معروف الرصافى
هى الأخلاق تنبت كالنبات
إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي
على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق
كما اتّسقت أنابيب القناة
>>>
وتُنعش من صميم المجد روحاً
بأزهار لها ُمتَضوِّعات
أما احمد شوقى أميرالشعراء فيقول
حِكايَــــــةُ الكَلـبِ مَـعَ الحَمامَـه تَشهَـدُ لِلجِنسَينِ بِالكَـرامَـــة
يُقالُ كــــــانَ الكَلـبُ ذاتَ يَـــومِ بَينَ الرِياضِ غارِقاً فى النَــــومِ فَجـــــاءَ مِـن وَرائِــهِ الثُعبـــــــانُ مُنتَفِخـاً كَـأَنَّـــــهُ الشَيطـــــانُ وَهَــمَّ أَن يَـغـــــــدِرَ بِالأَمـينِ فَرَقَّـتِ الوَرقـــــاءُ لِلمِسكـينِ وَنَزَلَــت تــــوّاً تُغيثُ الكَلبــــا وَنَقَـرَتــــــهُ نَـقــــرَةً فَـهَـبّـــــا فَحَمَـــدَ اللَــــهَ عَلـى السَلامَـة وَحَفِـظَ الجَميلَ لِلحَمــــامَـة إِذ مَرَّ مـــا مَـرَّ مِـنَ الزَمـــــــــانِ ثُـمَّ أَتـى المــالِـكُ لِلبُسـتـــانِ فَسَبَقَ الكَلـبُ لِتِــلـكَ الشَجَـرَة لِيُنذِرَ الطَيرَ كَمــــا قَـد أَنـــذَرَه وَاِتَّخَـــذَ النَبـــــحَ لَـــهُ عَـــلامَـة فَفَهِمَـت حَديثَـــهُ الحَمـامَـــة وَأَقلَعَت فى الحـــــالِ لِلخَـلاصِ فَسَلِمَت مِن طائِـرِ الرَصــــاصِ
ويقول المتنبى
إذا غامَرْتَ فى شَرَفٍ مَرُومِ
فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ فى أمْرٍ حَقِيرٍ
كطَعْمِ المَوْتِ فى أمْرٍ عَظيمِ
أما إيليا أبو ماضى فيقول: ذهبتُ مُسائلاً عن خَير شيء لأعرفَ كُنهَ أخلاقِ البريَّةْ فقالتْ لى الكنيسة: خيرُ شيءٍ هو الزُّهدُ الَّذى يمحو الخَطيَّةْ وقالت لى الشَّريعة: خيرُ شيءٍ شُمولُ العَدلِ أبناءَ الرَّعيَّةْ وقال الجنديُّ: الشُّهرة خير وإن كانَتْ تقود إلى المنيَّةْ وقال أخو الحصافةِ: خيرُ شيءٍ هو الحقُّ المبين بلا مَريَّةْ وقالَ أخو الجَهالةِ: خيرُ شيءٍ سُرورُ النَّفسِ فى الدُّنيا الدَّنيَّةْ وقال لى الفَتي: وَصلُ الصَّبايا وقالت لى «الهوي» البنتُ الصَّبيَّةْ ولمَّا أن خلوتُ سألتُ نَفسى لأعرِفَ رأيها فى ذِى القضيَّةْ فقالت: لا أرى خيراً أبقَى مِن الإحسانِ للنَّفسِ الشَّقيَّةْ
و هناك العديد من القصائد والمقالات التى تتحدث عن النبل والشرف، واستحضر هنا العديد من المناسبات التى حاول فيها الرئيس السيسى ان يعيد للكلمة مفهومها ودلالاتها ووضعها فى سياق صحيح، فقال مقولته الشهيرة «إننا نتعامل بشرف فى وقت عز فيه الشرف» ربما لم يفهم البعض المعنى المقصود فى البداية لكن مسارات الأحداث والصراعات والابتزازات والفرص والتحديات شرحت المعنى والمغزى دون عناء، فقياداتنا شريفة ونبيلة وحكيمة وصادقة وهذا الشرف والنبل هما الجسر الذى عبرنا عليه من حالة إلى حالة أوصلتنا إلى منصات التتويج فى بطولات الشرف والعزة والكرامة