يبدو أن المرأة الأوروبية سترفع قريباً شعار العودة للبيت أو الاكتفاء بدور «ست البيت»، بعد أن بدأت تجنى الحصاد المر جدا للتمرد على الحياة المنزلية والإصرار على الخروج للعمل لتحقيق الذات والمساواة مع الرجل. فالاكتفاء بدور الزوجة التى تربى الأولاد وترعى الزوج، والتخلى عن الطموح الوظيفى والنجاح العملى الذى أوصلها إلى أرفع المواقع، وعن الاستقلال المادى عن الرجل.. بل وتحمل «شطحات سى السيد» الأوروبى.. أهون بكثير من قائمة الأمراض الخطيرة والمخيفة التى أصبحت تطاردها بعنف منذ خرجت إلى الحياة العلمية.
وحتى لا أُتهم من قبل النساء العربيات بالرجعية والتعصب «الذكوري» والحنين إلى عصر الحريم البائد.. أؤكد أن المعلومة «التنبؤية» السابقة ليست من بنات أفكارى ولا بنات الجيران، بل هى حصيلة عشرات الدراسات العلمية المعملية التى رصدت تراجعاً مخيفاً فى صحة المرأة الأوروبية العاملة، وتعرضها لأمراض كانت حتى وقت قريب من نصيب الرجال فقط، أو تنتشر أكثر بين الرجال.. وهو ما يبدو غريباً ومتناقضا مع الدراسات التى تمنح المرأة قصب السبق فيما يتعلق بطول العمر.
على سبيل المثال لاحظ العلماء زيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين بين النساء فى مراحل مبكرة من العمر، وبالتحديد فى سن الخصوبة، وكان ذلك تحولاً غريباً، فالمعروف أن المرأة فى سن الخصوبة أو سن الطمث تتمتع بحماية هرمونية طبيعية من أمراض القلب والشرايين، حتى أن الذكورة كانت تصنف ضمن عوامل الخطورة المسببة لأمراض القلب بالإضافة إلى السن، بمعنى أن المرأة بعد تجاوز مرحلة الخصوبة تقترب من الرجل فى معدلات الإصابة بأمراض القلب.
اكتشف العلماء أن خروج المرأة إلى العمل، وتعرضها إلى الضغوط النفسية والعصبية المصاحبة لذلك، وتغير سلوكها الغذائى بعد أن تزايدت ساعات بقائها خارج البيت، وإقبالها على التدخين ربما من باب الوجاهة الاجتماعية على الطريقة الأوروبية أو لتحقيق المزيد من المساواة مع الرجل المدخن، كل ذلك حرمها من الحماية الطبيعية وأرهق قلبها وجعلها تنضم إلى طابور أصحاب القلوب العليلة.
لم يقتصر الأمر على أمراض القلب بل امتد إلى ما هو اخطر بكثير، إلى معدلات الإصابة بالأورام. مثلا، كشفت دراسة أوروبية واسعة النطاق حول مرض السرطان أن نسبة الإصابة بالأورام لا تختلف من بلد إلى آخر فحسب، وإنما داخل مناطق البلد الواحد، أما المفاجأة فقد تمثلت فى أن معدلات الإصابة بين النساء أعلى منها بين الرجال فى أوروبا.
الدراسة التى أجريت فى إطار المشروع الأوروبى لمكافحة السرطان انتهت إلى أن الأورام تنتشر فى بولندا بمعدل 1170 إصابة لكل 100 ألف وهى النسبة الأكثر انخفاضاً على المستوى الأوروبي، فى حين ينتشر بنسبة 3050 لكل 100 ألف فى جنوب السويد وهى أعلى نسبة، وأن السويد وسويسرا وألمانيا وإيطاليا تحتل مقدمة قائمة البلدان المبتلية بالسرطان تاركة ذيل القائمة لبولندا وأيسلندا وسلوفاكيا وسلوفينيا على التوالى.
المهم هنا هو الارتفاع المطرد لنسبة النساء الأوروبيات المصابات بالسرطان.. حيث ظهر من الدراسة أن 61 بالمائة من الأورام السرطانية تم تشخيصها عند النساء ويحتل سرطان الثدى نسبة 34 بالمائة منها.
هذه الدراسة العملاقة فتحت الطريق أمام إجراء عشرات الدراسات الأخرى لتفسير النتائج وتحديد الأسباب، وانتهت هذه الدراسات إلى الإشارة بأصابع الاتهام إلى المساواة بين المرأة والرجل فى الضغوط والهموم السلوكيات الخاطئة.