أن يدرك الشخص – أى شخص – أنه فى مأزق فإن هذا الإدراك يمثل أولى خطوات الخروج من هذا المأزق، لكن السؤال المهم هنا هل يدرك الشخص المأزوم أنه مأزوم ووصل إلى مرحلة المأزق؟ هل يرى الإنسان المحاصر أنه محاصر؟ ربما يكون الشخص المأزوم غارقاً فى التفاصيل ولا يكاد يرى أبعد من تحت أقدامه، فكل منا ينظر فقط إلى وضعه وحاله وإمكاناته وطموحاته واهدافه ووعوده وتحدياته ويهمل فى النظر إلى الآخرين وإمكاناتهم وطموحاتهم وتحدياتهم، من هنا لا يرى كلانا الآخر إلا فى مراحل المواجهة والنزاع والصراع، ففى البداية يخوض الشخص المواجهة ويدير النزاع وهو لا يرى إلا نفسه أما فى ساحة الصراع فقطعا سيرى عدوه او منافسه وهنا سيخفت صوت غروره قليلا ويبدأ فى مراجعة قراراته وتعديل أولوياته واهدافه وفقا لما رآه فى ساحة النزال ، ولو كان قد وقف على حقيقة الآخر لما حدث الصراع من الأساس، أقول هذا عن الأشخاص الطبيعيين العاديين وهم يخوضون معارك ونزاعات وصراعات الحياة المعقدة، لكن هؤلاء الأشخاص الطبيعيين هم أنفسهم الذين ينتقلون بسلوكياتهم هذه إلى إدارة المنظمات والجماعات والمؤسسات بل والدول ايضا، رأينا الصراع الممتد فى غزة وعدم ادراك نتنياهو للواقع الموجود على الأرض حيث لا يرى إلا تحقيق ما اسماه «النصر الكامل» و»القضاء على حماس نهائيا» و»إعادة الأسرى دون شروط» و»تحقيق امن إسرائيل على حساب أمن الإقليم والمنطقة، وكان عليه أن يرى قوة الفصائل الفلسطينية ومن يقف وراءها بشكل دقيق ويرى كذلك أن القضاء على حماس لا يعنى القضاء على المقاومة فهى فكرة وحق والأفكار لا تموت وكذلك الحقوق، كان على نتنياهو أن يرى أن تحقيق أمن إسرائيل أمر صعب التحقق ما لم يكن هناك دولة فلسطينية، كان عليه أن يعلم أن الخداع لا يستمر طويلا، حيث خدع نتنياهو العالم بفكرة احتمال تعرض دولة الكيان إلى اعتداءات عربية من كل الاتجاهات وإذا لم تقف الدول الغربية فى صف إسرائيل ستتفكك إسرائيل وتعود الهجرات العكسية من إسرائيل إلى اوروبا مجددا، كذلك وعلى الطرف الآخر من النهر أخطأت حماس وأساءت التقدير حينما انطلقت فى السابع من أكتوبر دون دراسة النتائج والأرباح والخسائر، والسؤال هل كانت حماس تتوقع ان يسقط عشرات الآلاف من الضحايا وتتحول غزة إلى أثر بعد عين؟ هل كانت تتوقع ان تصل إلى مرحلة البقاء تحت الأرض لإطلاق بعض الصواريخ والقيام ببعض العمليات التى لا تقيم دولة؟ إذن طالما أن الطرفين لم يقفا على ناصية الحقيقة والحكمة وحدث ما حدث ووصلنا إلى هذه النقطة شديدة الوعورة والصعوبة والتعقيد، فعلينا أن نطرح سؤالاً بسيطا الآن، فبعد كل ما جرى على مدار أكثر من عشرة شهور من الحرب هل أيقن الطرفان أنهما فى مأزق؟ هل أدرك السنوار أنه محاصر ومأزوم وهل اقتنع نتنياهو بانه صعد إلى قمة الشجرة ولا يدرى كيف ينزل منها مجددا؟ فإذا كانا قد أدركا حقيقة وضعهما المأزوم، فهنا نستطيع القول بأننا قد وصلنا إلى بوابة الحل، وبداية «لحظة نضوج الصراع».