يستقبل المسلم شهر رمضان المبارك استقبالا خاصا يستعد له روحيا وعمليا لأنه الشهر الذي يمنح الله من فاز به مغفرة السنة الماضية، وهو شهر تضاعف فيه الحسنات، وبه ليلة خير من ألف شهر من صادفته داعيًا أو قائمًا نال خيري الدنيا والآخرة، ومن لم يوفق فيه خاب وخسر.. المفكرون أكدوا أن الاستعداد لاستقبال رمضان لا يكون بالتجهيزات الغذائية حال كثير من المسلمين وإنما يكون بتهيئة النفس لاستقبال الأنوار الإلهية والفيوضات الربانية في ذلك الشهر الفضيل.. ساعات معدودات ونستقبل الضيف الغالي.. وقد وضع علماء الدين روشتة روحية هدفها شحن بطارية الروح لاستقبال الضيف الغائب.
د.محمد البيومي أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أوضح أن شهر رمضان منحة ربانية للأمة الإسلامية تجبر تقصيرهم وترفع درجاتهم وتمحو ذنوبهم حتى يلقوا خالقهم العظيم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وإذا أردنا التوقف عند آليات الاستعداد لرمضان فإن أول ما يصادفنا إخلاص النية لله بدخول هذا الشهر للاجتهاد في العبادة والالتزام بآداب الشهر والتضرع فيه إلى الله رجاء أن يقبل الله صيامنا وقيامنا وصدقاتنا وكل فعل نأتيه راغبين فيه إلى الله سبحانه وتعالى.
د.محمد داوود أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة قناة السويس أشار أن الصيام هجرة إلى الله سبحانه وتعالى تستغرق شهرا، وإذا كان الناس عند الحج يتخلصون – قبل شد الرحال إلى بيت الله الحرام – مما عَلق بهم من آثام فيردون المظالم ويستسمحون أصحاب الحقوق ويَصِلون أرحامهم، ويبذلون ما يستطيعون من صدقات ويتخلصون من الأدران التي تتعلق بهم حتى يكون حجهم مبرورًا ويعودوا من حجهم مثل يوم ولدتهم أمهاتهم– كذلك الصائم يقوم بكل ما من شأنه أن يُخرج الإنسان من هذا الشهر مغفور الذنب مقبولًا عند ربه، يملأ قلبه نور الايمان ولا يبقى في قلبه إلا الله سبحانه وتعالى، وكما يقول الصوفية «يتخلص من السوى» أي لا يكون في قلبه سوى الله سبحانه وتعالى ولا يتحقق ذلك إلا بتدريب النفس والقلب على هذه الحالة التي نستطيع أن نضع لها عنوانا وهو «الاستغناء»، أي يدرب المسلم نفسه على الاستغناء عن كل شهوات الدنيا مثلما يستغني عن طعامه وشرابه وشهواته في رمضان، ولا يعني ذلك ترك الدنيا كما يتصور البعض، وإنما امتلاك الدنيا دون أن تملكه الدنيا وذلك هو التعريف الأصوب للزهد كما يقول الصوفية.
ويضيف أن ما يميز المسلم عن غيره قوة الإرادة، وهذه الفضيلة من وسائل استقبال المسلم لهذا الشهر، بل هي وسيلة مواجهة الشهوات طوال العام، لكنها في رمضان تعين المسلم على اجتياز هذا الشهر في أمان مما تزينه النفس من شهوات ومعاصٍ وهفوات قد تذهب بثواب الصائم،مثل السباب والشتائم والغضب، أو الدخول في جدل عقيم يسعى فيه الفرد للانتصار لنفسه.
ختاما أشار الشيخ خالد خضر وكيل أول وزارة الاوقاف أن رمضان شهر الاتقان، فالاستقبال الحقيقي لشهر رمضان يتمثل في مواجهة أمراض النفس التي قد تحجب المسلم عن الثواب مثل إتقان العمل إخلاصًا لله واستجابة لهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»،كما نستقبل الشهر الكريم بالتخلص من آفة البخل والشح وتدريب النفس على العطاء، والعطاء لا يعني بذل الأموال فقط وإنما كسر حالة الشح في النفس البشرية التي تضن بالقليل، وقد أخبرنا الهدي النبوي بفلسفة العطاء حيث يقول: «اتق النار ولو بشق تمرة» كأنه يدربنا على البذل، فَشِقُّ التمرة قد لا تفيد شيئا، وإنما تدرب المُعْطِي على البذل، ومن يبذل القليل يبذل الكثير كما أنها تزرع في الآخذ الود للمعطي وتملأ قلبه بالرضى عن مجتمعه وتشيع روح التكافل والتقارب وقد كان رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه الذي هو أسوة حسنه لنا – أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان وهو ما أخبرتنا به أم المؤمنين السيدة عائشة.
ويضيف الشيخ خالد أن الاستعداد لرمضان يكون بتجديد التوبة الخالصة من المعاصي والعزم الاكيد على عدم العودة إلى المعاصي وأخذ النفس بهذه العزيمة، فالتوبة بداية ومدخل وهي نية الاستقامة والتخلص من أسباب الانحراف والبعد عن طريق الآثام، لأن الابتعاد عما يسبب الآثام سواء في تلك الأمكنة أو الأصدقاء أو التعاملات من شأنه حماية الإنسان من السقوط، ولاشك أن من أكبر المعينات على الاستقامة في رمضان إدراك حقيقة هذا الشهر وما به من خير وما به من فرصة فمعرفة شرف هذا الشهر كفيلة بامتناع الإنسان عما يحرمه من خيره موضحا أن وزارة الاوقاف تقوم بفعاليات فكرية ودعوية كثيرة وإعداد المساجد لاستقبال ضيوف الرحمن وتكليف العلماء بما عليهم تجاه الناس من توعية في هذا الشهر وكذلك تجهيز المسجد كمكان بالشكل اللائق باستقبال الصائمين وأداء الفرائض والنوافل.