يبدو أن الديمقراطية أصبحت تحت الحصار في جميع أنحاء العالم حيث نشهد ارتفاع القوى المناهضة للديمقراطية التي تهدد بتقويض القيم والمؤسسات التي تحافظ على أنظمتنا الديمقراطية. تستغل هذه القوى مشاعر الاستياء والإحباط للعديد من المواطنين، الذين يشعرون بأنهم تخلفوا بسبب العولمة، وبسبب تجاهلهم من قبل النخبة، وعدم ثقتهم في مستقبلهم، ما يقدم حلولاً بسيطة وشعبوية تستهوي الخوف والكراهية والقومية التي تستهدف وسائل الإعلام والسلطة القضائية والمعارضة، مما يؤدي إلى تآكل التوازنات التي تحمي الديمقراطية. كما أن لدى هذه القوى صلات مشبوهة مع نظم الحكم الاستبدادية التي تسعى إلى تقويض وضعف العالم الديمقراطي.
يُجادل البعض بأنه يجب علينا استخدام التدابير القانونية، مثل الحظر أو الإقصاء، لوقف مرشحين أو أحزاب معادية للديمقراطية من المشاركة في الانتخابات أو تولي المناصب العامة. وهم يزعمون أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية الديمقراطية من أولئك الذين يسعون إلى تدميرها من الداخل، مشيرين إلى أمثلة من ألمانيا، حيث حظرت المحكمة الدستورية العديد من الأحزاب النازية الجديدة والشيوعية. ومثال آخر في الولايات المتحدة حيث دعا الكثيرون إلى استبعاد ترامب من الترشح في السباق الرئاسي بعد أن وُجهت إليه تهم جنائية أربع مرات، حيث سيتعين عليه حضور سلسلة من المحاكمات في عام 2024 بينما يحاول الترشح مجددًا للبيت الأبيض.
ومع ذلك، يحذر آخرون من أن استخدام التدابير القانونية لمنع السياسيين المعادين للديمقراطية من الحصول على السلطة أو التأثير يعتبر خطوة خطيرة ومحفوفة بالمخاطر يجب اتخاذها فقط كخيار أخير، عندما يكون هناك دليل واضح على انتهاكات متكررة ومتعمدة للدستور والمبادئ الديمقراطية. قد تؤدي مثل هذه التدابير أيضًا إلى آثار عكسية، عن طريق منح المزيد من الانتشار والتعاطف والشرعية لليمين المتطرف، وعن طريق إبعاد الأنصار وزيادة الانقسام والتجاذب، وأفضل نهج هو مواجهتهم سياسياً.
أعتقد أن استخدام التدابير القانونية لحظر أو إقصاء السياسيين المناهضين للديمقراطية هو استراتيجية خطيرة وتؤدي إلى نتائج عكسية يمكن أن تضر ديمقراطيتنا أكثر مما قد تنفعها. إن أفضل طريقة لإعادة ابتكار الديمقراطية في مواجهة التهديدات من اليمين المتطرف هو تشجيع المشاركة الفعالة لجميع أفراد المجتمع، خاصة الشباب، في العمليات والمؤسسات الديمقراطية.
لذلك ينبغي أن تكون الحكومات الديمقراطية حرة وشفافة، ولا يجب أن تتأثر أو تتدخل فيها أي جهة، وعليها تشجيع المشاركة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وتشجيع الحوار من خلال المنتديات المفتوحة والعامة، لتعزيز المشاركة والمساءلة. وفي ظل الإستقطاب المتزايد وتشدد الأفكار المتطرفة في المجال السياسي عالميًا، نحتاج إلى بناء مؤسسات ديمقراطية مرنة وقابلة للتكيف يمكنها الاستجابة بسرعة وفعالية للتغيرات والتحديات المتتالية. يجب أن تشجع هذه المؤسسات حقوق جميع المواطنين، وضمان احترامهم وحمايتهم بغض النظر عن خلفيتهم أو هويتهم أو رأيهم، حيث أن الديمقراطية هي أفضل نظام لضمان الكرامة والمساواة للجميع.
الديمقراطية ليست مسألة وطنية فحسب بل هي أيضًا قضية عالمية، حيث يجب على الدول التعاون والعمل مع بعضها البعض لتعزيز المصالح والقيم المشتركة. لقد جلبت العولمة وتعددية الأطراف الكثير من الرخاء وساعدت في تحسين حياة البشرية، وينبغي على الدول مقاومة الإغراءات للانسحاب من العالم والانغلاق على الذات، الأمر الذي سيثير الشكوك وسيزيد كراهية الأجانب.
إذا فشلنا في اتخاذ إجراء، فسنكون قد خذلنا مواطنينا والأساس الذي أنشئت عليه الديمقراطية، وهو خدمة الناس بأفضل طريقة ممكنة. توفر الديمقراطية التعاون والعمل المشترك، مما يعزز السلام والاستقرار؛ صفات نسعى جميعًا إليها خاصة في الأوقات الصعبة التي نمر بها حاليًا.