الفن الحقيقى رسالة نبيلة تسمو بالروح
فى زمن تبدلت فيه المفاهيم، وانقلبت فيه الموازين، نجد أنفسنا مضطرين لطرح السؤال الصعب والموجع: إحنا رايحين على فين؟ بعد أن أصبح الفن، الذى طالما كان مرآة الشعوب ووسيلة للرقى والارتقاء، أداة لتشويه القيم، وإثارة الفتن، ونشر الابتذال، تحت مسمى «الحرية» و»الإبداع».
ما شهدناه مؤخرا من حالة انفلات فنى وأخلاقى يثير القلق والاشمئزاز، ويستدعى دق ناقوس الخطر، فظهور بعض الفنانين والمغنيين بملابس نسائية شفافة، أو أخرى أشبه ببدل الرقص، كما حدث مؤخراً مع أحد الفنانين فى حفلة بأمريكا، ليس سوى استفزاز فج لمشاعر المجتمع المصرى والعربي، واعتداء صريح على رجولته وهويته وثقافته، أم أنها باتت الطريقة السهلة لركوب الترند واستجداء السوشيال ميديا لإحداث حالة من اللغط فى الشارع المصرى والعربى وتصدر صفحات التواصل الاجتماعي.
الأخطر من ذلك أن أحدهم ارتدى ملابس مسيئة وأقحم العلم المصرى فى هذه الإطلالة، فى مشهد عبثى فالعلم الذى مات لأجله آلاف الشهداء، لا يجب أن يُستخدم كخلفية لعرض محتوى متدنٍّ يخلو من الذوق والاحترام.
ما يحدث ليس مجرد خروج عن النص، بل هو خروج عن حدود الأخلاق، وتجاوز فجّ للقيم الراسخة فى وجدان الشعب المصري. ولا يصح أبدًا أن يُبرر هذا الانحدار باسم «الفن»، لأن الفن الحقيقى رسالة نبيلة تسمو بالروح، وتعبر عن وجدان الأمة، وتحترم عقول المتلقين، أما ما نراه اليوم، فلا علاقة له بالفن، وإنما هو ترويج للفسق والفجور والانحلال، وهو أخطر من أى سلاح يمكن أن يهدد أمن واستقرار المجتمع.
تلك التصرفات ليست فقط إساءة للفن، بل إساءة لمصر فى الداخل والخارج، وتشويه لصورة شعب عُرف دائمًا بالمروءة والنخوة والاحترام، فكيف نقبل أن يقدم الفن المصرى فى المحافل الدولية على هذا النحو المبتذل؟ وكيف نغض الطرف عن تصرفات تهدم أكثر مما تبني، وتفسد الذوق العام وتؤثر فى أجيال تنشأ على ما تراه وتسمعه؟
المسئولية هنا مشتركة تبدأ من الفنان نفسه، وتمر عبر وسائل الإعلام، وتنتهى عند أجهزة الرقابة والمؤسسات الثقافية والدينية، لا بد من وقفة جادة لإعادة تقييم ما يقدم باسم الفن، وتحديد المعايير التى تحافظ على قيمنا وهويتنا، دون مصادرة على حرية التعبير، ولكن فى إطار من الاحترام والمسئولية.
إننا فى لحظة فارقة تتطلب منا جميعا أن نراجع أنفسنا، ونتساءل بصدق: هل هذا هو الفن الذى نريده لأبنائنا؟ وهل هذه هى الصورة التى نريد تصديرها عن مصر؟ وإذا لم نتدارك الأمر الآن، فقد نجد أنفسنا فى غد قريب نتساءل عن وطن لم نعد نعرف ملامحه، ولا نميز صوته وسط ضجيج الابتذال.
ويا ترى إحنا رايحين على فين؟ السؤال ما زال قائما، والإجابة تبدأ بقرار من الأجهزة المعنية بالدولة للحفاظ على رسالة الفن السامية وصورة مصر فى المحافل الدولية وحفاظاً على الأجيال الجديدة.. حفظ الله مصر