يسطر شهداؤنا من أبطال القوات المسلحة بدمائهم الزكية تاريخاً مشرفاً للوطن والتضحية من اجله وستظل البطولات التى قدموها خالدة بحروف من نور فى تاريخ مصر وسيظل المجد دائماً وأبداً هو تاج شهدائنا الابرار، ونتيجة لمكانة الشهيد الكبيرة فى قلوب المصريين، تحتفل مصر وقواتها المسلحة فى يوم 9 مارس من كل عام بيوم الشهيد.
ومع احتفال مصر بـ «يوم الشهيد» ترصد «الجمهورية» حكايات وبطولات من دفتر أحوال الوطن لرجال كتبوا بدمائهم الزكية تاريخ وطن عريق علم الإنسانية معنى السلام والحضارة.. تحية إلى روح كل شهيد وعاشت مصر آمنة مستقرة رايتها عالية خفاقة بجهود أبنائها المخلصين.
بطل من رجال القوات المسلحة، الذين حفروا أسماءهم فى التاريخ بحروف من نور، رمز الصمود والشجاعة والفدائية، قائد بدرجة إنسان عاشق لتراب الوطن، أب روحى لكل من اقترب منه، وقدوة ومثال يحتذى به، هو قائد معركة كبريت فى حرب أكتوبر 73، ظل وزملاؤه 134 يوماً دون شراب أو طعام، تحت قصف الطيران الإسرائيلى نهاراً، ومدفعية العدو مساءً، رافضاً فكرة الاستسلام والتفريط فى ذرة من تراب مصر، أوقف أعداؤه إطلاق الرصاص بعد استشهاده احتراما لتمسكه بموقعه واستبساله فى الدفاع عنه، إنه البطل الشهيد مقدم أ.ح إبراهيم عبدالتواب، الذى أشاد به أعداؤه فى محادثات الكيلو «١٠١» عام 1974 فقال عنه قائد الموقع الإسرائيلى إنه أسطورة عسكرية تُحترم، كما تمنى هنرى كسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق أن يُقابله.
ولد البطل «عبدالتواب» فى 10 مايو 1937 بمركز أبنوب بمحافظة أسيوط، ترك كلية التجارة ليلتحق بالكلية الحربية، وتخرج فيها عام 1956 برتبة ملازم بسلاح المشاة ميكانيكا، وشارك فى حرب اليمن لمدة عامين وكشفت الحرب عن كفاءته، وبعد عودته عُين مدرساً بالكلية الحربية عام 1967.
وتولى مناصب قيادية عديدة خلال 3 أعوام حتى وصل إلى منصب رئيس أركان إحدى مجموعات الصاعقة، وخلال تلك الفترة صدرت الأوامر بتشكيل لواء ميكانيكى مستقل يتبع القوات الخاصة، وكان الهدف من إنشائه إيجاد قوة ميكانيكية لديها القدرة على التحرك بمركباتها البرمائية فى الأرض أو عبر المسطحات المائية المحدودة كالبحيرات وذلك لمُفاجأة العدو فى عمق دفاعاته وشل مركز قيادته وتعطيل تقدم احتياطاته الدفاعية فكان البطل «إبراهيم عبدالتواب» أول من تقدم للانضمام إلى هذا اللواء، وتم تعيينه قائدا لإحدى كتائب هذا اللواء.
كانت مهمة الكتيبة التى يقودها البطل، هى القيام باقتحام البحيرات المرة الصغرى ثم التحرك شرقاً حتى طريق الممرات للاستيلاء على المدخل الغربى لممر متلا، وفور انطلاق الشرارة الأولى لحرب أكتوبر1973 اقتحم «عبدالتواب» مع رجال كتيبته البحيرات المرة الصغري، حتى وصل إلى الضفة الشرقية للبحيرات دون اكتشاف العدو له، وواصلت الكتيبة تقدمها وهى تقاتل العدو قتالاً ضارياً، كما تمكنت كتيبته من صد هجمات العدو الجوية والأرضية المتتالية، ليتكبد خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، حيث تم إسقاط طائرة فانتوم وطائرتى ميراج بأيدى رجال الدفاع الجوى العاملين من الكتيبة، إضافة إلى الخسائر الجسيمة فى الأفراد.
وفى يوم 9 أكتوبر1973 صدرت الأوامر للمقدم إبراهيم بالاستعداد لمهاجمة النقطة القوية شرق كبريت والاستيلاء عليها وتأمينها وعلى الفور واتخذ فى ذات الوقت قراره السليم باستغلال نيران المدفعية والدبابات بحيث يتم اقتحام نقطة كبريت القوية من اتجاهى الجنوب والشرق بقوة سرية مشاة مدعمة، وقيام باقى وحدات الكتيبة بعزل النقطة وحصارها من جميع الاتجاهات لمنع تدخل الاحتياطى المحلى للعدو.
وفى تمام الساعة السادسة والنصف من صباح يوم التاسع من أكتوبر تحركت الكتيبة بقيادة البطل فى طريقها إلى النقطة لينهال عليهم قصف طيران العدو، إلا أن معنويات البطل وجنوده كانت فى السماء وواصل تقدمه نحو الهدف، وبدأ فى اقتحام النقطة بالفعل ليجد دبابات العدو وبدأت فى الانسحاب فى اتجاه الشرق مذعورة، ليصدر أوامره على الفور لرجاله بالتعامل معهم، لتكون النتيجة تدمير كل الدبابات وقتل معظم أفرادها وأسر الباقي، وتم اقتحام النقطة والاستيلاء عليها ورفع علم مصر عليها.
أدرك البطل منذ اللحظة الأولى أهمية موقع كبريت، كما أدرك أن العدو سيعاود الهجوم المضاد فى محاولة لاسترداده حيث إنه كان مقراً لإحدى قياداته الفرعية وملتقى الطرق العرضية شرق القناة، ويمكن منه السيطرة على كل التحركات شرق وغرب منطقة كبريت، وأنه يعتبر نقطة الاتصال بين الجيشين الثانى والثالث وبالفعل حاول العدو استرداد الموقع مراراً إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً، ونتيجة لفشل العدو المتكرر فى استرداد النقطة قاموا بحصارها بأمل تحقيق هدفه عن طريق عزلها عن باقى القوات المصرية، ومنع الإمداد عنها واستمر هذا الحصار لمدة 134 يوماً كاملة، حتى فرض على العدو اتخاذ قرار الانسحاب نتيجة اتفاق الفصل بين القوات، ورغم ظروف الحصار القاسية.
وفى يوم 13 يناير1974 بينما كان البطل إبراهيم عبدالتواب يقود إحدى الغارات على العدو سقطت دانة غارة للعدو بالقرب منه، فاستشهد أسطورة الصمود وكانت آخر كلمات التى قالها، «إياكم والتفريط فى الموقع فشرف مصر وكرامة جيشها معلق بنصركم».
وأرسل قائد الجيش الثالث برقية إلى موقع كبريت من هيئة عمليات القوات المسلحة وذكر فيها، نقدر فيكم روح البطولة والفداء ونحيى روح الشهيد إبراهيم عبدالتواب أملنا وثقتنا كبيرة فى صمودكم وثباتكم تحيتنا لجميع رجالكم وإلى الأمام على طريق النصر.
وتعاهد الرجال على الصمود، كما أراد الشهيد العظيم، وكانت الدانة التى استقرت إحدى شظاياها داخل جسد الشهيد العظيم آخر دانة تطلق على الموقع فقد انسحب العدو بعد أيام تنفيذاً لاتفاقية فصل القوات وبقى موقع كبريت وقائده البطل الشهيد إبراهيم عبدالتواب إلى الأبد رمزاً للبطولة والصمود، وتم دفن الشهيد مقدم أ.ح إبراهيم عبدالتواب ملفوفاً بعلم مصر وإعطاء ابنته مصحفه وسبحته تنفيذاً لوصيته، وكرمته القوات المسلحة بمنحه وسام نجمة سيناء من الدرجة الأولى عام 1974 بعد وفاته.