أسعدتنى الابنة الوفية الصحفية والناقدة السينمائية بتحية من نوع فريد، بعث بها إليّ مشكوراً المخرج الفلسطينى الكبير رشيد مشهراوى أثناء مشاركته فى اللقاء الأسبوعى للدكتورة المصرية الغالية مى التلمسانى الأستاذة بجامعة أوتاوا بكندا تحت عنوان «ورشة وجهة نظر».
جاءت التحية من المخرج، رداً على انطباع عفوى إيجابى نقلته له الابنة عقب مشاهدتى لفيلمين من تأليفه وإخراجه هما «عيد ميلاد ليلي» و»حيفا»، ولامست فيهما فناً جميلاً بسيطاً مؤثراً متقدماً، ينطبق عليه المثل المعروف إبداعياً «منتهى المحلية فى الإبداع جواز مرور للعالمية».
من حيث القصة، الفيلمان يتشابهان فى إلقاء الضوء على جذور فلسطينية وطيدة وعريقة تبدو وكأنها بسيطة، ولكنها تدافع بقوة عن شعب ضربت عزيمته كل المثل العليا فى الصمود والبطولة والتصدى لكل آلات ووسائل التدمير والخراب والضغط.. يتمسك بالأرض ويمسك بشعلة الأمل.. واثقاً فى النهاية أنه لا يصح إلا الصحيح.
لفت نظرى فى الفيلمين أيضا أداء رفيع تلقائى بامتياز للفنان الفلسطينى محمد بكرى سواء فى الفيلم الأول «عيد ميلاد ليلي»، يحكى لنا ماذا قابل الرجل من أحداث فى الشارع نتيجة لعمله المؤقت كسائق تاكسى انتظاراً لتنفيذ وزارة العدل بالسلطة الفلسطينية وعدها له بالعمل قاضياً حسب تخصصه الذى عمل فيه فى الغربة، فاضطر للعمل سائقاً للتاكسي.. عين فاحصة ووسيلة طيعة للمخرج الكبير كى يقدم لنا نماذج إيجابية وسلبية تجمعت فى النهاية لتفى بالأمل لدى السائق «أبوليلي» كى يحتفل مع أسرته الصغيرة بعيد ميلاد ابنته متكامل المعدات والاحتياجات، باقة ورد وتورتة وشمع لإنارة التورتة وترديد الشعار الخالد «سنة حلوة يا جميل».
وفى الفيلم الثاني، أدى شخصية «حيفا» المركبة بين الحكمة والجنون، والتلقائية والفلسفة، والعزلة والمودة الاجتماعية من خلال تعاطف مع أهالى «القرية- الحي» ينتظرون الفرج بتوقيع اتفاقية أوسلو ويشير إلى فائدة ذات معنى ورمز ينسحب إلى الشعب الفلسطينى كله باعتبارها أملاً لكل الفلسطينيين من خلال الإفراج عن السجين سعيد الذى طال اعتقاله لسنوات وتوقفت الحياة فى منزله تقريباً انتظاراً لعودته سالماً إلى نسيم الحرية..
الأحداث فى هذا الفيلم تُعاش ولا تُحكى وتنتهى نهاية غير مسبوقة وأعنى بها تمازج المشهد بين مظاهرات الترحيب والفرحة بتوقيع الاتفاق استعداداً لاستقبال المناضل المرحوم ياسر عرفات ومعها جنازة يشيع فيها الأهالى جثمان امرأة عجوز كانوا يعتبرونها أماً للجميع وتبادلوا رعايتها وحزنوا لوفاتها.
هنا يتفق الفيلمان على أن السينما المقنعة قامت بدورها وأدت رسالتها كاملة.. تحرك الجبال إن لم يكن نحو النصر فعلى الأقل تبقى شعلة المقاومة مستمرة.
باختصار، هذان العملان يؤكدان أننا أمام مخرج عربى ينظر للدراما بشكل واقعى جديد، إنه مرتبط بالأرض والناس وفى نفس الوقت فاهم تماما رسالة الفن فى شرح الأحداث ودعم الحقائق وحشد الهمم من أجل السلوك المأمول على طريق الحرية والسلام الطويل.
ها هى السينما الفلسطينية تتقدم بخطى واثقة وتدفعنا نحن الكلاسيكيين إلى إعادة النظر فيما وصلنا إليه.