بفجاجة عجيبة تواصل صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية سياستها التحريضية على مصر من خلال «نظرية الإسقاطات المفضوحة» فبعد أيام من فضيحة نشر صورة تجمع الرئيس السيسى والرئيس الإيرانى الراحل إبراهيم رئيسى بدون مناسبة مهنية على موضوع خاص بالتهجير، يفاجئنا الحاخام موشيه تراجين بمقال له فى نفس الصحيفة بعنوان «الكراهية تدمير للروح» ويروى قصة فرعون وسيدنا موسي، ويقول إن كراهية اليهود لمصر قديمة ومتجذرة ومستمرة رغم توجيهات الكتاب المقدس التى تحرم هذه الكراهية خاصة مع المصريين، لكن الحاخام يضع النقاط على الحروف ويقر بأن هذه الكراهية لا يمكن التحكم فيها من جانبنا لأنها «كراهية جينية»، ويواصل الحاخام إسقاطاته على مواقف مصر ورئيسها الرافض للتهجير والاستيطان، يبدو أن وصف الرئيس السيسى لما يجرى فى الأرض الفلسطينية المحتلة بأنه «ظلم تاريخى للفلسطينيين» قد أثار حفيظة حاخامات اليهود، وليس فقط الساسة الاسرائيليين، فالاستقطاب واضحة ولا تحتاج شرحا، فاستدعاء قصة فرعون والمجاعة واستعباد اليهود وظهور موسى هو محاولة لربط مخل واستنتاج فاسد من اجل رسم صور ذهنية أمام العالم بأن ما يقوم به المصريون حاليا قد سبق وقاموا بمثله فى عصر الفراعنة وسيدنا موسى عليه السلام، لكن اللافت هنا هو عنوان المقال «الكراهية مرض يدمر الروح» أو نصاً «Hatred, a spiritual sickness that consumes the soul» وهو يستخدم مفردات عن الكراهية لشحن يهود العالم ضد مصر والعرب وكأن مصر هى الطرف المعتدى على الحقوق الإسرائيلية! كأن الفلسطينيين هم الذين احتلوا الأرض وقتلوا الأطفال ويحاولون تهجير أهلها، وحتى لا اطيل فى شرح تلك المستهدفات الصهيونية من تلك الحملة انقل لكم نصاً مترجماً لما كتبه هذا الحاخام المضطرب نفسياً والموجه سياسياً.
>>>
يقول موشيه «لقد تعرضت مصر لوابل لا هوادة فيه من الأوبئة الوحشية التى حطمت اقتصادها وعذبت شعبها.. وبحلول الوقت الذى أُعلن فيه طاعون الجراد، كانت مصر على حافة الخراب، وتحول اقتصادها الذى كان قويًا فى يوم من الأيام إلى حالة من الفوضي.. لم يعد العبيد اليهود يستحقون العبء؛ لقد أصبحوا عبئًا بدلاً من أن يكونوا مصدر قوة.. حتى مستشارى فرعون المخلصين، الملتزمين بالولاء، لم يعودوا قادرين على التزام الصمت، وناشدوا فرعون إطلاق سراح العبيد، وهم يهتفون فى شك: «ألا تري؟ إن الإمبراطورية بأكملها تتأرجح على حافة الكارثة لكن المأساة أن فرعون ظل متعنتًا، رافضًا إطلاق سراح العبيد «البغيضين» بشكل كامل، بينما حكم على شعبه بمزيد من العذاب.. الكراهية مرض روحى يستهلك الروح، ويشوه العقل، ويدفعنا نحو أفعال مدمرة للذات
>>>
لقد كانت كراهية فرعون السرطانية عميقة جدًا لدرجة أنه ضحى بامبراطوريته بدلاً من الاعتراف بكرامة وحرية عبيده «دون البشر» لم تكن هذه هى الحالة الأولى لسلوك فرعون السيكوباتي، «ولن تكون الأخيرة» فخلال الأيام الأولى من الاضطهاد المصري، شعر فرعون بأن مُخلِصًا سيظهر ليخلص الشعب اليهودى من العبودية، ومع ذلك، لم يستطع سحرته ومنجموه تحديد ما إذا كان هذا المحرر سيكون يهوديًا أم مصريًا، ومن المفارقات أن البطل الذى كانوا يخشونه، موسي، كان كلاهما – ولد من سلالة يهودية ولكنه نشأ داخل القصر، تحت سمع وبصر فرعون،أصدر فرعون، الذى أصابته حالة من عدم اليقين، مرسومًا وحشيًا: كان يجب إلقاء كل ذكر حديث الولادة، بما فى ذلك الأطفال المصريون الرضع، فى النيل. فى غضبه العارم وكراهيته الشديدة لشعبنا.
>>>
اتخذ فرعون قرارًا كارثيًا، وحكم على أمته بوأد المواليد الذكور ومن المحتمل أن يعرض مستقبل مصر الديموغرافى للخطر حتى فى اللحظات الأخيرة من تفكك مصر، استمرت كراهية فرعون النفسية حتى ضرب الطاعون الأخير والأكثر تدميرًا، وهو إبادة الأبكار، فى كل بيت مصرى – من قصر فرعون إلى أدنى أحياء العبيد. ووفقًا لما جاء فى المدراش، حتى ابن فرعون نفسه توسل إلى أبيه أن يتراجع عن ذلك خوفًا على حياته. لكن فرعون، الذى استبد به العناد والكراهية، رفض الاستسلام، فحكم على ابنه بالهلاك، هذه هى الطبيعة الخبيثة للكراهية، ولا سيما الكراهية العميقة الجذور لليهود. يمكن أن تنمو إلى حد الهوس والتآكل لدرجة أن الأفراد أو الأمم يخربون أنفسهم، ويتصرفون ضد مصالحهم الفضلى لمجرد إطلاق العنان لسمومهم.
>>>
فلم يكن فرعون أول من أظهر كراهية نفسية مدمرة للذات تجاه أمتنا. فى كل عام خلال عيد الفصح، نشكر الله على حمايته لنا من الأعداء الذين ينهضون فى «كل جيل» لتدميرنا.
منذ خمسة وثمانين عامًا مضت، شهدنا كراهية فاسدة ومهووسة مماثلة. فقد أدى تصميم هتلر على القضاء على «اليهود» البغيضين إلى شل مجهوده الحربي. فآلة الحرب الألمانية المنخرطة فى معركة مرهقة على جبهتين، وكانت فى حاجة ماسة إلى القوى البشرية والموارد. ومع ذلك، استمر هتلر فى تحويل الأصول المهمة نحو إبادة اليهود. تُروى قصص الجنود الألمان الذين تقطعت بهم السبل فى محطات القطارات فى انتظار نقلهم إلى الخطوط الأمامية، وهم يشاهدون القطارات المليئة باليهود وهى تُرسل إلى معسكرات الموت بدلاً من ذلك.
>>>
إن الكراهية المهووسة هى مرض من أمراض النفس التى تشوّه العقل والمنطق، ولا تترك مجالاً للحكمة أو التوازن.
الانحدار المجتمعى بالإضافة إلى آثارها السامة على العقل والفضيلة، تصبح ثقافات الكراهية مشلولة، غير قادرة على الاستفادة من أى شيء صنعه موضوع كراهيتها. تؤدى الكراهية إلى التجريد من الإنسانية – أى اختزال هدفها فى شيء أقل من الإنسان. وبالتالي، ترفض ثقافات الكراهية الاعتراف بأى قيمة قد يساهم بها الأشخاص الذين يحتقرونهم فى حياتهم. وبهذه الطريقة، فإن الكراهية لا تقلل من شأن ضحاياها فحسب، بل تقلل أيضًا من شأن المجتمعات التى تغذيها.
تأمرنا التوراة باستعارة الأوانى والملابس من المصريين – فى محاولة عميقة لكبح الكراهية التى قد نكنها لهم. بعد أجيال من المعاناة والاضطهاد.
>>>
كان من الممكن أن تكون هذه الكراهية طبيعية، بل وغريزية. ومع ذلك، سعى الله لمنع هذه العاطفة المعدية من أن تترسخ.
لو كنا نحتقر المصريين حقًا، لما وافقنا أبدًا على ارتداء ملابسهم أو استخدام ممتلكاتهم. بالإضافة إلى كونه تعويضًا نقديًا مستحقًا عن سنوات من الاستعباد، كان هذا العمل محاولة متعمدة لقمع الكراهية، وتعزيز صفائنا الأخلاقى وصحتنا العاطفية حتى فى مواجهة الظلم العميق.
لقد أُمرنا بألا نضمر أى كراهية طويلة الأمد للمصريين، لأنهم استضافونا أثناء المجاعة. للوهلة الأولي، يبدو هذا سخيفًا – كيف يمكن أن نتوقع أن نشعر بأى شيء سوى الكراهية لأولئك الذين ظلمونا بوحشية؟ ومع ذلك، يدعونا الله إلى رؤية الصورة كاملة. فبينما استعبدونا فى نهاية المطاف كانت مصر هى أول من قدم لنا ملجأ فى وقت المجاعة العالمية. على الرغم من أن أفعالهم اللاحقة لا تغتفر، إلا أن الله يصر على أن نعترف بالطيبة الأولية التى أظهروها بإيوائنا فى وقت حاجتنا.
هذا الأمر هو بمثابة تذكير قوى بأن الكراهية يجب ألا تعمينا عن تعقيدات التاريخ أو العلاقات الإنسانية، ولا عن لحظات الرحمة التى كانت موجودة، حتى فى أكثر الأماكن غير المتوقعة.
مآسى الكراهية المعاصرة
من المأساوى للغاية أن نشهد الآثار المدمرة للكراهية بين أعدائنا. ففى حالة خصومنا العرب، يبدو أنهم يفضلون توجيه كراهيتهم نحونا وإدامة العنف بدلاً من التركيز على النهوض بمجتمعاتهم. أمة تلو الأخري، نلاحظ كيف أن أولئك الذين يعتنقون الإسلام الأصولى المتطرف ويؤيدونه، يودعون أنفسهم فى حالة من الركود والانحدار فى نهاية المطاف. إنهم يهدرون موارد هائلة فى بناء أنفاق الكراهية بدلًا من الاستثمار فى تحسين أحوال شعوبهم، سعيًا وراء التقدم والرفاهية الإنسانية.
إن التكلفة لا تُحصى – ليس فقط فى الأرواح التى تُزهق بل فى الفرص الضائعة.
>>>
إن كراهيتهم تديم دورات لا نهاية لها من الدمار بدلًا من أن تفتح آفاقًا من الأمل.
وبالمثل، فإن أعداءنا المعادين للسامية على استعداد للذهاب إلى أى حد للتنفيس عن كراهيتهم. لقد استهلكهم حقدهم إلى درجة أنهم مستعدون للانقلاب على بلدانهم ومهاجمة المؤسسات ذاتها التى تدعمهم. لقد أصبحت هذه الكراهية خبيثة إلى درجة أنها تتسبب فى تآكل الديمقراطيات التى يعيشون فيها، وتهدد بتفكيك نسيج مجتمعاتهم.
لا تحتاج قراءة صفحات الكتاب المقدس للتعرف على الكراهية السيكوباتية. فالفراعنة وهتلر العصر الحديث موجودون حولنا فى كل مكان، يكرسون الكراهية والعنف، حتى على حساب تدميرهم الذاتي. تعكس أفعالهم عدوى الروح التى تجلب الخراب فى نهاية المطاف ليس فقط لأعدائهم بل لأنفسهم أيضًا.
خلال هذه الأزمة، نحن نبحث خلال هذه الأزمة عن وحدتنا المراوغة. نحن منقسمون بشدة على أسس أيديولوجية وسياسية ودينية. من الأفضل أن نبدأ بتجنب كلمة «الكراهية» ومشاعر الكراهية. قد نختلف بحدة مع الآخرين فى أرض إسرائيل، ولكن لا مجال للكراهية العميقة والمستهلكة. فهذا سيعرقل تقدمنا ويغرقنا فى بحر من المشاعر السامة.
لفهم حماقة الكراهية، اقرأ الكتاب المقدس. ولاكتشاف كم يمكن أن تكون مدمرة، ما عليك سوى قراءة عناوين الصحف.
اترك القارئ لاستخلاص المغزى والهدف وقد أكون مخطئاً.