انتهت مسلسلات النصف الأول من رمضان ولم ينته تأثيرها، أو الحديث عنها بعد، وبدأت مسلسلات جديدة، بعضها كشف عن قصته المثيرة من الحلقة الاولى مثل «لام شمسية» ومثل «حسبة عمرى» و»منتهى الصلاحية» و»قهوة المحطة « وغيرها، والبعض بأسلوب مختلف، وبالطبع فإن مسلسلات الثلاثين حلقة مستمرة حتى نهاية الشهر، مع جمهور اختارها منذ البداية، غير اننا لا يمكننا تجاهل أهمية وقيمة مسلسلات استطاعت فى نصف المدة- أى 15 حلقة- تقديم قصص وأفكار مهمة، والتركيز على الكثير من القضايا المهملة، أو المسكوت عنها، والمعبرة عن فئة من فئات مجتمع كبير متنوع كالمجتمع المصري، ومن هنا فإن ما قدمته أعمال مثل «ولاد الشمس « و«قلبى ومفتاحه» و«اخواتى » و«80 باكو » و«النص» هو البحث عن المواطن المصرى فى كل مكان وفئة وموقع، فى الماضى والحاضر أيضا، وبالطبع فإن قضايا الناس هى هدف كل صناع الدراما المؤمنين بقيمة وأهمية الفن فى دعم الحياة وإضافة الكثير من مفردات الحق والخير والجمال اليها، وبالتالى فإن مسلسلات الثلاثين حلقة القليلة والمستمرة منذ بداية رمضان وحتى الآن وإلى نهاية الشهر لديها ما تقوله أيضا، وهو ما أتابعه من خلال مسلسل «ونقابل حبيب» الذى يطرح علينا أفكاراً متعددة حول العلاقات الزوجية التى من الممكن تحويلها الى علاقات لا إنسانية بفعل الغدر وخيانة الأمانة، وفى هذا العمل وغيره تعيد الدراما تذكيرنا بالصراعات الأسرية فى مجتمعنا من خلال محاولات الزوج لتأكيد نفوذه على الزوجة والابناء، أو العكس، ودور الجدة والجد فى نمو الصراعات الزوجية، وادوار بقية الأقارب وصولا إلى الأصدقاء والمعارف وهو ما يحول الحياة إلى حرب مستمرة كما يقدمه هذا العمل وغيره من الأعمال التى تعرض الآن، والتى بدأ عرضها منذ أيام قليلة والتى تقودها الصراعات وكأن وجود الطيبين أصبح عيبا ضمنهم.
امرأة تحت الحصار
فى «قلبى ومفتاحه» تندفع امرأة شابة الى طلب الزواج من سائق تاكسى أوصلها لمشوار، وبالطبع فإن هذا الطلب لابد وان يشغل السائق، ابن الناس، كما يبدو من سلوكه وهندامه ليخوض تجربة زواج ممن لا يعرفها «وهو الذى يرفض محاولات أمه لتزويجه بأصرار» ليفاجأ بأن طالبة الزواج تطلب الطلاق فى نفس الليلة، وبلا زواج، وهو ما يستفزه اكثر ليبحث وراءها، وليعرف انها طليقة لرجل يحاصرها ويهددها بالحرمان من طفلها لو عرفت غيره «لانه قد يستعيدها مرة أخرى كزوجة»، وهكذا يدور الصراع فى المسلسل الجديد للمخرج تامر محسن والذى كتبه مع مها الوزير والذى يطرح علينا مع أبطاله آسر ياسين ومى عز الدين، وأشرف عبدالباقى فى دور خال البطل ومحمود عزب بائع الطعمية الولهان بعايدة رياض ساكنة العمارة أمامه، وأم «اسعد» أو دياب غول المنطقة بما يملكه من أموال وصفقات وما يفعله فى العاملين معه من تجاوزات مندفعا بقوة المال والنفوذ، ليقف امام طليقته التى تحاول الإفلات من حصاره مع الجديد الذى أحبته، السائق خريج العلوم والفيزياء الرافض لاى مساس به، وبها، وهو ما رأيناه عبر مشاهد فى شوارع ومناطق معبرة عن القاهرة بكل تنوعاتها، وعبر حوارات مراوغة وصامتة وصعبة، وأداءات قدمت شخصيات أبطالها كما يجب، أما فى مسلسل «اخواتى» للكاتب مهاب طارق والمخرج محمد شاكر خضير، فقد عشنا حياة أربع شقيقات متزوجات، يعلو احساسهن بالأخوة ليكون غلافا يحمى حياتهنّ مما تواجهه كل واحدة من مشاكل فى حياتها العملية والزوجية، وبرغم انه مأخوذ عن مسلسل اجنبى كما قرأت، إلا ان العبرة هنا تأتى من قدرة صناعه على تقديمه بأسلوب يلائم الحياة المصرية وهو ما حدث كثيرا، فكل واحدة من الأخوات «نيللى كريم المتهورة، وروبى المشغولة بالمال لاجل أطفالها بعد رحيل الزوج، وكندة علوش التى تعانى من زوج يقوم بأى عمل لاجل المال، وجيهان الشماشرجى التى توفى زوجها امامها بعد تعنيفه الشديد لها، فى النهاية تصبح حياة الأخوات محصلة الخوف من الحاضر والمستقبل، ومن اكتشاف مؤامرات قمن بها معا للدفاع عن وجودهن «ومنها قتل الزوج المعنف لاختهن ووضع جثته فى الثلاجة حتى تتواجد وسيلة آمنة لدفنه، وهى فكرة غير منطقية فى مجتمعنا».
الكل تحت الحصار
كوثر يونس اسم جديد فى السينما والدراما المصرية منذ ان قدمت فيلمها التوثيقى البديع عن ابيها الدكتور مختار يونس استاذ السينما، وقدمت فيلمها الطويل «مقسوم» والآن تقدم أول مسلسلاتها «80 باكو» مع مبدعة أخرى هى الكاتبة غادة عبد العال التى رأينا لها من قبل مسلسلات مثل «عايزة أتجوز» و«البحث عن علا»، وفى «80 باكو» تحاول بوسى التى تعمل فى صالون لتصفيف الشعر فى منطقة شعبية العمل بأكثر من طاقتها لجمع ثمانين الف جنيه لإتمام زواجها، وتساعدها صاحبة المحل مدام لولا التى ادركت أزمتها فتقوم بتخصيصها للزبونات فى البيوت، والقادرات على دفع أسعار أعلي، وهو ما يحدث غضبا لدى زميلاتها فى المحل اللواتى يتطلعن ايضا لهذا، ولكن بوسى «هدى المفتى» تكتشف ان بعض سيدات البيوت يستولين على رزقها، وتعجز عن المطالبة به فتضيع سعادتها، وتبتعد فرصتها فى الزواج ممن أحبته ويعجز هو ايضا عن فتح بيت يضمهما، ولعل التفاصيل المدهشة فى هذا العمل تضيف الكثير اليه، تفاصيل صالون التجميل وما يحتويه، وكيفية تعامل العاملات به معه فى وجود صاحبته «انتصار» وفى غيابها، وفى انفجار مشاعر الفرح والغضب فى هذا المكان الضيق والمعبر عن أزمة كل واحدة من بطلاته فى كل أشكال الأزمة، وعلاقة كل هذا بالشارع الصاخب خارج باب الصالون، والناس الذين يقتحمونه بلا قصد، أو بقصد، وكأن العاملات به تحت حصار الناس حوله، اما «النص» فهو مسلسل عن الماضى، تدور أحداثه قبل ثورة 1919، وارتباطه بالحاضر ومن خلال صورة المواطن الذى يتحول الى إنسان آخر حين يكتشف خللا عاما يحتاج إلى جهده فى سيناريو كتبه ثلاثة هم شريف عبدالفتاح وعبدالرحمن جاويش ووجيه صبرى وأخرجه حسام على فى دراما بديعة تعبر عن التحولات الاهم فى حياة البشر، وهو ما فعله عبدالعزيز النص «أحمد أمين» النشال الكبير، والذى يتحول الى رجل غامض ثم بطل شعبى يعمل على تنغيص حياة جنود الاحتلال الإنجليزى فى بلده والذين زادت استفزازاتهم للناس ،وهو ما يدفعهم للقبض عليه، وهروبه، وتزداد ثورتهم بعد حوادث عنف تجاههم ارتكبها مع مجموعة تكونت لنفس الهدف بينها ضابط بوليس صدقى صخر «وأصدقاء آخرون» حمزة العيلى وأسماء أبواليزيد ومراد مكرم وعبدالرحمن محمد ويوسف إسماعيل ومحمد ناصر وكثيرون من الممثلين المجتهدين.