تحدثت فى الاسبوع الماضى عن ضرورة الاصطفاف العربى مع مصر فى ظل التحديات البشعة التى تتعرض لها المنطقة حاليًا واليوم أطرح السؤال المهم وهو:
هل تخلّى العرب عن دورهم؟
تعد مصر عبر تاريخها الطويل، ركيزة أساسية للأمن والاستقرار فى المنطقة العربية، وشريكا لا غنى عنه فى مواجهة التحديات الجسام التى تعصف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن فى ظل تصاعد هذه التحديات وتعقدها، يبرز تساؤل مهم حول مدى الدعم والتكاتف العربى لمصر فى تصديها لهذه الأزمات، وهل يمكن القول إن هناك نوعا من «التخلي» العربى عن مصر فى هذه المرحلة الحرجة؟ إن هذا التساؤل ليس مجرد نداء استغاثة بل هو دعوة للتأمل فى طبيعة العلاقات العربية-العربية فى سياق يزداد فيه التعقيد، وتتداخل فيه المصالح الإقليمية والدولية .
تواجه مصر اليوم إلى جانب أشقائها العرب، سلسلة من التحديات التى تتنوع بين الأمنى والاقتصادى والسياسي، على رأسها ملف الإرهاب والتطرف، الذى يمثل تهديدا وجوديا للأمن القومى المصرى والعربى بشكل عام، فالجماعات الإرهابية لا تعرف حدودا، وتتخذ من بعض الدول العربية قواعد لها لشن هجمات تستهدف الاستقرار فى المنطقة بأسرها، ورغم الجهود المصرية المضنية فى مكافحة هذه الآفة، والتى كلفتها تضحيات بشرية واقتصادية هائلة، فإن الدعم العربى فى هذا الملف يبدو أحيانا غير كاف أو متباين، فبعض الدول العربية التى لديها القدرة على تقديم الدعم المالى واللوجستى والاستخباراتي، لم تترجم هذا الدعم بشكل فعال على أرض الواقع، تاركة مصر فى مواجهة جزء كبير من هذا العبء بمفردها، وهو ما يضع ضغطًا كبيرًا على مواردها وقدراتها، ويُعرض أمنها للخطر بشكل مستمر. وتعد التحديات الاقتصادية من أبرز المعضلات التى تواجهها مصر، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية العالمية وتداعياتها على المنطقة فمصر، باعتبارها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، تحتاج إلى استثمارات ضخمة لتوفير فرص العمل وتحقيق التنمية المستدامة، وعلى الرغم من وجود بعض المبادرات الثنائية بين مصر وعدد من الدول العربية الخليجية، إلا أن هذه المبادرات لا ترقى فى كثير من الأحيان إلى مستوى التحدي،كما تشكل الأزمات الإقليمية المتعددة تحديًا كبيرًا لمصر، فمن الأزمة الليبية إلى الصراع فى السودان، مرورًا بالأوضاع فى اليمن وسوريا، تُحيط بمصر بؤر توتر تهدد أمنها القومى بشكل مباشر، وتؤثر على استقرار المنطقة برمتها، فمصر تبذل جهودا دبلوماسية مكثفة لحل هذه الأزمات سلميا، وتحاول التوفيق بين وجهات النظر المختلفة، لكنها غالبا ما تجد نفسها فى مواجهة انقسامات عربية حول سبل التعامل مع هذه الأزمات. بل وفى بعض الأحيان تتخذ بعض الأطراف العربية مواقف تتعارض مع المصالح المصرية، مما يعقد من جهود الحل، ويضعف من الموقف العربى الموحد تجاه قضايا مصيرية. وهذا التشتت يعطى فرصة للقوى الإقليمية والدولية للتدخل فى الشؤون العربية، ويزيد من تعقيد المشهد الأمنى والسياسى فى المنطقة.
ولا يُمكن إنكار أن مصر تظل، وستظل، جزءًا لا يتجزأ من النسيج العربي، وأن أمنها واستقرارها يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومى العربي، لكن التحديات المتزايدة التى تواجهها مصر تتطلب دعما عربيا أكبر وأكثر فاعلية وتنسيقا، فهل حان الوقت لكى تدرك الدول العربية أن قوة مصر هى قوة للجميع، وأن ضعفها هو ضعف للعرب أجمعين؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكمن فى مدى قدرة الأمة العربية على تجاوز خلافاتها وتوحيد صفوفها لمواجهة المخاطر المشتركة، والنهوض بدورها التاريخى فى حماية مصالحها ومستقبل أجيالها القادمة.