تَغيير النَّظَرة نَحْو صُورة الخَبَرة التِى يَكتَسبها المُتعلِّم، مِن كَونه يحصل القَدر الأَكْبر مِن المَعلومَات، ويَتفهَّم مَا تَحْويه مِن مَفَاهيم، ومَا تَرتَبط مِن وَظِيفية، إلَى مَقدرته عَلى أَن يَستنْتِج، ويُفسِّر، ويَسْتنبط، ويُقدِّم البَراهين والحجج، وهُنا يَنتقل اهتمامُنا تَجاه مَسَارات التَّفكير المُتعدِّدة؛ فَمن خَلالها يَستطيع الأبْنَاء أَن يُقدِّموا تَبريرًا، أَو يَخرجوا بإستَخْلاصَات، أَو يَتَحصَّلوا عَلى نَتائج، مِن جُملة أَحْداث يُشَاهدونَها، أَو يَرصُدونَها، أَو يُتابعونَها، أَو حتَّى وَقَائع يُعايشونَها، وَهَذا فِى جُملته يُشير إلَى وًصولهم لِما نصبو إليه، والمُتمثِّل فِى التَّعلُّم ذَوى المَعنى.
إنَّ التَّعلُّم ذو المَغزى يَعمل عَلى زِيادة شَغف المُتعلِّم، نَحو مَزيد مِن اكتَساب الخَبرات، واستلهام الأفكار، التى تُثرى المَوقف التَّعليمى، ومِمَّا لا شَك ينعكس ذلك إيجَابًا عَلى طَريقة التَّفكير فِى كليتها لدَى الأبْنَاء؛ فتَجد أنَّهم دَومًا مَا يَتحقَّقون، ويتوثَّقون مِن صَدق المَعلومَات، التِى تُصبح فِى حَوزتهم، وَأَن يَصلوا لَأحكام مَنطقية، تَقوم عَلى شواهد، وأدلَّة، وبَراهين، غير مَشُوبة، وهَذا يُعد سِياج حَماية مِن الشَّائعات المُغرضَة المُنتشرة عَلى كَافة المَناَبر الإعْلَاميَّة المُمَوَّلة، وشَتَّى وَسائل التَّواصُل الاجْتَماعى سَريعة الانْتَشار.
تَبنِّى ابنَاؤنا لمَسَارات التَّفكير المُتنوعة، يَخلُق فُرصًا للابتَكار، والمَقدرة عَلى مُواجهة المُشكَلات، ويَزيد مِن عَزيمة وَإرادَة الفَرد؛ فَتَراه يَتحمَّل المَسؤولية، ويَمتلك الصَّبر والمُثابرة، حِيال تَحقيق أَهدافه المَشرُوعة، وَلا يَنْساق وَراء أحْلام زَائفة، ويصعب أَن يُغرر بِه مِن قِبل أَصْحاب المَآرب والهَوى، وهُنا نُودُّ أَن نُثمِن مَا تنتَهجْه سِياسة الدَّولة المَصريَّة فِى تَطوير المَناهِج التَّعليميَّة، بِكافَّة السُّلم التَّعليمى، فِى مَرحلتَى التَّعليم قَبل الجَامعيِّ والجَامعيّ عَلى السَّواء.
مَا أجملَ أَن نُصمِّم خَبرات تعليميَّة! تَحتاج دَومًا لعقد الحِوارات والنَّقاشات المُنظَّمة، بَين طَرفَا العَملية التَّعليميَّة؛ فتُمارِس مَهَارات التَّفكير العُليا بِشكل وَظيفي؛ فترَى أنَّ الرأيَ المُتقبِّل يَقوم على أدلَّة، وشَواهد، وبَراهين، وأنَّ الانْحراف عَن المَسَار يُصلحه التَّقييم الذَّاتى، وتَقييم الآخرين، وأنَّ تَدفُق الأفْكَار حَول إيجَاد حُلول لِقضية مَا، يَنبَرى عَلى العَقل الجَمعى، وأنَّ التَّفرد التَّعليمى، نُجنى ثَمرته بِتبادل الخَبرات.
مَا أروعَ مِن أَن يَتنبَّأ الفَرد بِمستقَبله القَريب والبَعيد على السواء! فَيستطيع أَنْ يُساهم فِى رَسم سِيناريوهَات اسْتَشرافيَّة، تَضْمن سَلامة مَراحلها، وتُؤكِّد عَلى صِحة مَسارات التَّفكير.
مَسَارات التَّفكير لأبنَائِنا، تُمكِّنهم مِن مُواجَهة التَّحديات، ورَصد المُتغيَّرات، والتَّعامُل مَعها بَتعقُّل، وتفكُّر، وتدبُّر؛ ليصْبَحوا قَادرين عَلى التَّكيَّف، مَع كَافة الأَوضَاع، أَو الظُّروف المُحيطَة بِهم، كَما يُمكَّنهم أن يُوظِّفوا مَا لَديهم مِن خَبرات، سَواءً أَكان بِالمعالَجة، أَم بالربْطِ؛ بَغرض تَحقيق الفَائدة المُرتَقبة.. ودِّى ومحبَّتى لِوطنى وللجَميع.