>> مازلنا مع أيام معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى تحول إلى عيد للثقافة وموسم للقراءة والفكر والمعرفة بعد أن اختتم دورته رقم ٥٥ الأسبوع الماضي.
أصبح المعرض الثانى عالمياً بعد معرض فرانكفورت الألمانى ليس بسبب استمراره بانتظام منذ عام ٩٦٩١ إلى ٤٢٠٢ فقط.. ولكن لأنه يجتذب الملايين من الزائرين الذين بلغوا هذا العام أكثر من ٥ ملايين زائر.. ووصل عدد دور النشر المشاركة إلى ٠٠٢١ من ٢٣ دولة.. والأهم هو تأثيره فى الحركة الثقافية وتشجيعه للقراءة والاطلاع بين الشباب والأطفال.. وتحريك المياه الراكدة فى الفكر والأدب والفنون والشعر من خلال الأنشطة والفعاليات والندوات التى تعقد خلال أيامه ولياليه.. والتى يتمنى أهل الثقافة وعشاق المعرفة أن تطول فترة المعرض فى الأعوام القادمة!!
علينا أن نعترف أن الثقافة بمفهومها الشامل هى الطريق لبناء الإنسان وتشكيل وجدانه وعقله ووعيه.. ويحتاج ذلك إلى الاهتمام بالكتاب وإتاحته بسعر مناسب للجميع.. فلا يخفى على أحد وجود مشاكل كبيرة تواجه صناعة الطباعة والنشر خاصة ارتفاع أسعار الورق والأحبار وتكاليف الطباعة والمواد الخام.. وهو ما يستدعى إيجاد حلول للناشرين.. وإعادة مبادرات مثل إصدار سلاسل دار الكتب وهيئة قصور الثقافة.. ولا أدرى لماذا لا تنشر كنوز التراث وأعمال كبار الكتاب والأدباء وتجعلها فى متناول الأسرة البسيطة ومحدودى الدخل مما ساهم كثيراً فى نشر الثقافة بين النشء؟!
مطلوب أيضاً مساعدة شباب الأدباء والمفكرين والقراء والعلماء على نشر أعمالهم.. حيث تواجههم صعوبات كبيرة فى إيجاد دور النشر إنتاجهم لدرجة أن منهم من تظل قصصه ورواياته وقصائده وأبحاثه محبوسة فى صدره أو درج مكتبه ولا ترى النور!!
توجد صعوبات ومشاكل تواجه الحركة الثقافية وتحتاج إلى مناقشات لإيجاد حلول.. وعلى القائمين على معرض الكتاب أن ينظموا ندوات خلال معرض العام القادم بإذن الله لمناقشة العقبات التى تواجه النشر والناشرين وجعل الكتاب فى متناول الجميع بأسعار زهيدة أو معقولة فهذا طريقنا لمواجهة الغزو الثقافى الذى تتعرض له مصر والدول العربية من الخارج.. والقضاء على أفكار من يريدون إعادتنا إلى عصور الجهل والتخلف والظلام من الداخل!!
لنعد إلى أيام وليالى معرض الكتاب.. وقد تناولنا فى الأسبوع الماضى ما يطلبه الزائر من خدمات.. وعرضنا لبعض الإصدارات الجديدة.. واليوم مع أحد الأنشطة المهمة التى أصبحت من معالم كل عام وينتظرها عشاق الأدب والثقافة وهى ندوات توقيع الكتب الجديدة!!
«شاى بحليب» مع ألفة السلامى
>> فى اليوم قبل الأخير للمعرض.. الجو شديد البرودة ورذاذ المطر يتساقط على الرءوس.. تجرى لتحتمى فى الداخل.. تصعد إلى الدور الثانى تدخل قاعة «بلازا» تجسد نفسك تشعر بالدفء فأنت مدعو إلى «شاى بحليب» مع ألفة السلامي!!
تعيش من أول دخولك القاعة فى حفل توقيع روايتها الثالثة مع عالم الكاتبة الصحفية الأديبة الإعلامية ألفة السلامى الذى يتميز بالحس الإنسانى وإعلاء القيم الأخلاقية التى تدعو إلى الحب ونقاء النفس والتمسك بالأصالة مع التحلى بالإيمان الذى يعين المرء على التحمل والتحدى وقهر المستحيل.. وكما أنها مهمومة بالشأن العام فى مصر وتونس والعالم العربي.. فهاجسها الأول هو الإنسان وما يصيبه وكيف يتغلب عليه.. وهذا تلمسه خلال إصداراتها فى العقد الأخير حيث بدأت بكتابها الأول عام ٤١٠٢ بعنوان «ثورة جسد» وفيه تروى حكايتها مع مرض السرطان الذى أصابها وكيف تغلبت عليه وكيف تولد المنحة من قلب المحنة.. وكان كتابها الثانى «كورونيات» عام ٢٢٠٢ وترصد فيه التغيرات التى طرأت على المجتمعات بعد جائحة فيروس كورونا.. وكانت روايتها «شاى بحليب» استكمالاً لما بدأته حيث تروى قصة طبيب أصيب «بالزهايمر» وما يفعله المرض بالإنسان وكيف نتعامل معه؟!
وضعت ألفة السلامى يدها على الحل السحري.. ومن أول سطر تعطى الأمل والتفاؤل لعلاج كل أوجاع البشر وليس أمراض السرطان وفيروس كورونا أو الزهايمر فقط.. وذلك عندما كتبت فى الإهداء «إلى كل الخائفين من داء النسيان لعل الحب ينقذهم».. وتبعت ذلك بتمهيد يؤكد المعنى «وراء كل القصص الملهمة.. حب عظيم»!!
بأسلوب رائع تصف «سوزي» زوجة بطل الرواية «عزيز» تأثير الحالة التى أصابته عندما تقول «أصبحت عاجزة عن استيعاب ما يحدث من تطور سريع فى حالته منذ هبت العاصفة تقتلع أشجارنا وتردم وردنا وتغرق حديقتنا» هكذا عبرت عن مشاعرها عندما عرفت بإصابته بالمرض!!
مع الأحداث نعرف أن أخته التوأم كانت هى المحفز له منذ طفولته وكانت تناديه «يا دكتور» وعمره لا يتجاوز ٤ سنوات وظلت تشجعه حتى أصبح طبيباً وجراحاً ماهراً وسافر إلى إنجلترا ليكمل دراسته وتعرف على «سوزي» وتزوجها وأنجبا طفلين وعاشا فى سعادة حتى جاء اليوم الذى بدأ ينسى بعد تعرضه لأزمة نفسية لفقده أخته المحفزة له.
تفتح الرواية ملف «الزهايمر» الذى يعتبره البعض من أمراض الجينات الوراثية.. وحسب إحصاءات جمعية «الزهايمر» برئاسة الدكتور طارق عكاشة يوجد فى مصر نصف مليون مريض.. وفى العالم هناك ٥٥ مليون مصاب تكلفتهم السنوية تصل إلى تريليون دولار.. ومازال العالم لم يتوصل إلى علاج له.. وقد تناوله العديد من الكتاب والفنانين وكان محور فيلم لعادل إمام عن قصة لنادر صلاح الدين من إخراج عمرو عرفة.. وأصيب به الكثير من المشاهير أمثال الرئيس الأمريكى السابق رونالد ريجان والفنان عمر الشريف وريتاهيوارث وتشارلز برونسون وغيرهم.. ولم نكن نعرف اسم «الزهايمر» قبل ٠٥ أو ٠٦ عاماً مع أننا كنا نسمع ونشاهد كبار السن وهم ينسون ويتصرفون كالأطفال.. ولم يعرفوا ولم نعرف إنه «الزهايمر»!!
تهدف رواية «شاى بحليب» إلى التأكيد على قيم أولها أنه فى عصر القلوب المتحجرة نحتاج إلى علاج ميراث جيناتنا.. وتشير إلى تمسك أبناء الشرق عندما يذهبون إلى الغُربة بأصالتهم وتقاليدهم.. وأن ابتلاءات الله للبشر تطرح أسئلة على المريض وأهله فالمؤمن يعلم أنها اختبار ويدعو الله للشفاء ولأولاده ألا تصيبهم جيناته بسوء.. أما الآخرون فتكون مشاعرهم مضطربة!!
قصة عزيز «المصري» وزوجته سوزى «البريطانية» قد يراها البعض تناقش قضية الشرق والغرب.. وهناك من يرى أنها التقاء بين الحضارات.. وآخرون يقولون إن الشرقيين يحافظون على تراثهم وتقاليدهم.
ألفة السلامى جاءت إلى مصر من ٧٣ عاماً.. وعاشت وأصبحت مصرية «بنت بلد» تتحدث «لبلب» بلهجتها وتعرف شوارعها وحواريها وأكلاتها من «الملوخية والكشرى إلى الفول والطعمية».. ومع ذلك فهى كما تحب مصر والمصريين تعشق تونس «برشا برشا» وتأكل «الكسكسى والعجة واللبلابى وهريسة الشطة الملهلبة».. بل إنها مهمومة بالشأن العربى وكل الدول من المحيط إلى الخليج.. وزوجها المحامى المشهور طارق نجيدة.. والذى كان يستقبل الساعين لشراء روايتها فى حفل التوقيع.. مما يدل على تماسك الأسرة وترابطها.
ألفة السلامى واحدة من أبناء «الحلم العربي».. وهناك العديد من عائلتها جاءوا إلى مصر من قرنين وحتى الآن يعيشون مثل أخوتهم التونسيين الذين يقيمون فى مطروح ومدينة الحمام بالساحل الشمالي.. وهى ليست مثل الشاعر الكبير بيرم التونسى الذى احتضنته مصر وتبرأ منه عائلته التونسية.. وعندما تشعر بأن فى أسلوبها وحياتها نزعة صوفية فهذا راجع لأنها جاءت من البلد الذى شرفنا منه الإمام أبوالحسن الشاذلى وغيره من أهل التصوف.. أما شاعريتها فتعود إلى أبوالقاسم الشابى الذى قال: «من لا يحب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر» فكانت النشيد الوطنى لبلاده.. ولأن لكل إنسان نصيباً من اسمه.. فمعها ومع زوجها وروايتها تشعر بالألفة من أول لقاء وأول سطر فى الرواية!!
تقول ألفة السلامى لا أكتب لمجرد الاستمتاع أو لصفاء الروح فقط ولكنى أكتب لأبرأ.. أما عن حكاية «شاى بحليب» فقد كان بطل روايتها الطبيب عزيز يتندر قبل مرضه ممن يشربون الشاى بالحليب ويردد أن الإنسان يجب أن يتوقف عن شرب اللبن الحليب بعد أن تفطمه أمه.. فإذا به بعد مرضه بداء النسيان يطلب منهم أن يعملوا له كوب «شاى بحليب» على الطريقة الإنجليزية ويشربه!!