عندما تختلط الأوراق وتختفى الحقائق خلف كتل الضباب، ويصعب على الإنسان الوقوف على ناصية ثوابته ومرجعياته، لقد ضاعت البوصلة وسط ركام الأكاذيب المنمقة والحقائق الخجولة، عندما يحدث كل هذا أمام عينك فاعتصم بحبل الله دون تفكير، عليك بدخول الملاجئ الربانية، أهرب إلى داخل قلاع نفسك المحصنة بكلمات الله، وهذه عن تجارب واقعية أعيشها على مدار الأيام والسنين، فعندما تضيق عليك الدنيا على رحباتها فليس لك من ملجأ منه إلا إليه سبحانه وتعالي، ما أجمل ولا أروع من الاختباء والاحتماء بظلال الله الممتدة بلا بداية ولا نهاية، فى أوقات الشدة وأوقات الفتنة وأوقات الضيق ليس لك إلا الله، اليوم نعيش لحظات فارقة اختلط فيها الحق والباطل والصواب والخطأ، يصدَّق فيها الخائن ويخوَّن فيها الصادق وتنطلق الشائعات المسمومة صوب المصلحين فى محاولات يائسة لهزيمتهم معنوياً، لكن ربك بالمرصاد، فسهام أعدائنا ترشدنا إلى الحقيقة مجردة، رغم ضياع هيبة الحق أمام غوغائية الباطل إلا أنه مازال حقاً وسيظل وكذلك الباطل سيبقى باطلاً مهما علا صوته وصوت داعميه، لكن الحزن يتسلل رغماً عنا من أقوالهم وأفعالهم لأننا نعلم أن ما تخفى صدورهم أكبر، هنا أتذكر قوله تعالى «لا تحزن إن الله معنا» اكتشفت أن مبهجات ومفرحات القلوب كثيرة ومجانية لكنها تحتاج لحظات تأمل حقيقية، إذا فتحت كتاب الله وكتب التاريخ وكتب السير ستجد متكئات نفسية مريحة للقلب والروح، أحاول كثيراً الهروب من الواقع للحظات فلا أجد إلا يد الله حاملة وحامية وحانية، واليوم نرى حرم من الفتن تجعل الحليم حيراناً وتجعل أعمال العقل شيئاً من الجنون، فالصراع بين الشيعة والسنة فى بلادنا وصل إلى مستنقع الهاوية، فتحت كما العادة كتب التاريخ فوجدت جذور الصراع منذ حروراء وحتى حزب الله، لقد وقعت فى يدى رسالة شديدة اللهجة أرسلها صلاح الدين إلى شيخ الجبل وزعيم جماعة الحشاشين تحمل كل مفردات التهديد والوعيد، لكن الرد الذى وصل إلى صلاح الدين من زعيم الحشاشين كان من الصعب أن تتجاهله كتب التاريخ.
«قرأنا خطابك وفهمنا نصه وفحواه ولاحظنا ما يحتوى عليه من تهديدات لنا بالكلمات والأفعال، ووالله إنه لشيء يدعو إلى الدهشة أن نجد ذبابة تطن فى أذن فيل وبعوضة تلدغ تمثالاً، كثيرون قبلك قالوا مثل هذه الأشياء ودمرناهم دون أن يشفع لهم شفيع، فهل تبطل الحق وتؤيد الباطل؟ «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» إذا كنت حقاً قد أصدرت أوامرك بقطع رأسى وتمزيق قلاعى فى الجبال الصلدة فان هذه آمال كاذبة وخيالات واهمة لأن الأساسيات لا تدمرها العارضات كما أن الأرواح لا تدمرها الأمراض، أما إذا عدنا إلى المحسوسات التى تدركها الحواس وتركنا جانباً المعنويات التى تدركها الأذهان فان لدينا أسوة حسنة فى رسول الله الذى قال: «لم يقاس نبى مثلما قاسيت» وأنت تعرف ماذا حدث لدعوته وأهل بيته وحزبه، ولكن الموقف لم يتغير والرسالة لم تفشل وحمداً لله أولاً وأخيراً. إننا مُضطهدون ولسنا طغاة، محرومين ولسنا حارمين «وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا». وأنت تعرف ظاهر أحوالنا وقدر رجالنا وما يمكن أن يحققوه فى لحظة واحدة وكيف يحبون الموت «قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»، والمثل الشائع يقول إنك لا تستطيع أن تهدد بطة بإلقائها فى النهر! فخذ كل ما فى استطاعتك اتخاذه من احتياطات دون الكوارث والفواجع فأننى هازِمُكَ من داخل صفوفك، ومنتقم منك فى مكانك، وستكون كمن يدمر نفسه بنفسه «ومَا ذلِكَ على اللهِ بِعزيزْ» عندما تقرأ خطابنا هذا فارتقبنا وترحم على نفسك واقرأ أول «النحل» وآخر «صاد»:
«أَتَى أَمرُ اللَّهِ فَلاَ تَستَعجِلُوهُ»
«وَلَتَعلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينِ»