الأزمة الأوكرانية تشعل التوتر بين أمريكا وأوروبا
تسلل التوتر مؤخرا إلى العلاقات الأمريكية الأوروبية، وتراجعت الثقة بين الجانبين خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
تُعتبر العلاقات بين واشنطن وبروكسل ركيزة أساسية للاقتصاد العالمى وتشير التقارير إلى أن أكثر من 60 ٪ من الاستثمارات الأجنبية فى الولايات المتحدة تأتى من أوروبا، بينما توظف الشركات الأمريكية حوالى 5 ملايين أوروبى فى القارة. هذا الترابط الاقتصادى يعكس أهمية التعاون بين الجانبين، ويُظهر أن أى توتر فى العلاقات السياسية قد يؤثر سلبًا على الاقتصادين الأمريكى والأوروبي.
تأتى الحرب الروسية الأوكرانية فى مقدمة الأسباب التى أثرت على العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة إذ كان من المتوقع أن تقف واشنطن بجانب كييف مثلما كان نهج الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن الذى أنفق 350 مليار دولار على تلك الحرب، الأمر الذى انتقده ترامب بشدة وأشار إلى أن كييف تتحمل جزءاً من مسئولية اندلاع الحرب، فى تناقض واضح مع الموقف التقليدى للولايات المتحدة وحلفائها.
هذه الخطوة كانت بمثابة صدمة للعواصم الأوروبية التى طالما اعتبرت روسيا تهديدًا استراتيجيًا، وقد أضاف ترامب إلى ذلك ضغوطا متواصلة على حلفائه فى أوروبا لزيادة مساعداتهم العسكرية لأوكرانيا، وهو ما يمكن اعتباره محاولة لتركيز القوة العسكرية فى يد الولايات المتحدة بشكل أكبر.
أما الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، فقد اتهم ترامب بالانخداع بـ»التضليل الروسي»، وقال فى تصريحات صحفية الأسبوع الماضي: «أعتقد أن الولايات المتحدة ساعدت بوتين على الخروج من سنوات من العزلة»، منتقدا الإدارة الأمريكية الجديدة بشدة، وحثها على «التحلى بالصدق».
وفى الذكرى السنوية الثالثة لهذه الحرب، يسعى القادة الأوروبيون إلى اتخاذ موقف موحد وسط التقارب الأمريكى الروسى المفاجئ، ويشعر الأوروبيون بالغضب والخذلان عن التنازلات المسبقة التى قدمها للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، من دون أن يقدم أى شيء فى المقابل، بل جدد تمسكه بمطالبه التى رفعها منذ اليوم الأول لعمليته العسكرية الخاصة التى تتمثل فى نزع سلاح أوكرانيا وإخضاعها وهزيمة النازيين الجدد فيها، ومنع انضمامها إلى حلف الناتو.
ومع تمسك ترامب برؤيته لحل الصراع من دون «الضمانات» التى تطالب بها أوكرانيا، خصوصاً فى المجال الأمنى لمستقبلها، فقد تؤدى النتيجة إلى اكتشافه تعقيدات هذا الصراع بالفعل، ما قد يمنع على الأقل توقع الحلول السريعة، أو يؤدى فى نهاية المطاف إلى انسحابه من المفاوضات، سواء أراد استئناف دعم كييف، ردا على تمسك بوتين بمطالبه أو اختار «الحياد» الذى قد يخدم ولو بشكل غير مباشر موسكو.
ويرى البعض أن كييف، ورغم إدراكها أهمية الدعم الأمريكي، لكنها لا تستطيع تحمل فكرة الهزيمة بعد كل التضحيات التى قدمتها. وفى حال تمسك ترامب برؤيته فى فرض الحل، فقد تجد نفسها مضطرة إلى مواصلة القتال. كما أن الأوروبيين مقتنعون بأن موسكو لن تتوقف عن محاولاتها إخضاع، ليس أوكرانيا فقط، بل وإعادة تغيير التوازن فى القارة بمجملها، ويشيرون إلى حشد القوات الروسية فى بيلاروسيا، على أنها دليل عن استعداده لتهديد دول أوروبية أخري.
فى بداية عهده، أثار ترامب غضب حلفائه الأوروبيين من خلال فرض رسوم جمركية بنسبة 25 ٪ على واردات الألمنيوم والصلب، إلى جانب تهديداته بفرض رسوم على معظم السلع والمنتجات القادمة من أوروبا. تقديرات الخسائر المحتملة للقارة الأوروبية جراء هذه الرسوم تراوحت بين 200 و350 مليار دولار، مما أثر بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وأصبح من الواضح أن ترامب لا يتبع سياسات هجوم فحسب، بل يعتمد على «التهديد» كأداة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وتتأثر الشراكة الاقتصادية بين أمريكا وأوروبا بسياسات ترامب الاقتصادية التى تهدف إلى تعزيز المصالح الأمريكية عبر «سياسة أمريكا أولًا».
ترامب اعتبر أن العلاقة التجارية مع أوروبا «خاسرة»، مشيرًا إلى العجز التجارى الأمريكى مع أوروبا الذى يتجاوز 235 مليار دولار. كما طالب بزيادة التبادل التجارى لصالح الولايات المتحدة، فى وقت تسعى فيه أوروبا إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
هذه السياسة قد تساهم فى إبطاء نمو الاقتصاد الأمريكى على المدى الطويل، حيث تؤدى هذه الرسوم إلى زيادة تكاليف المعيشة للمواطن الأمريكي، بما فى ذلك على منتجات يتم استيرادها من الصين أو أوروبا.
وفيما يتعلق بملف الإنفاق الدفاعى فى أوروبا، أحد الملفات المهمة التى تسببت فى توتر العلاقات بين ترامب وأوروبا، ففى حين تنفق أوروبا حوالى 380 مليار دولار سنويًا على الدفاع، فإن الولايات المتحدة تنفق 968 مليار دولار.
على الرغم من أن أوروبا تتشارك فى عضوية حلف الناتو، إلا أن ترامب كان قد طالبها بزيادة إنفاقها العسكرى بشكل كبير ليصل إلى 900 مليار دولار، مهددًا بعواقب إذا لم تلتزم هذه الدول بما وصفه «بالتزاماتها العسكرية».
هذه الضغوط المالية والعسكرية كشفت عن تباين فى الأهداف بين الولايات المتحدة وأوروبا، فبينما ترى الولايات المتحدة أن دعم الحلفاء الأوروبيين عبر الإنفاق العسكرى هو مسؤولية أوروبا، ترى القارة العجوز أن هذه السياسات تضعها فى موقف الدفاع بدلاً من التعاون المتكافئ.
وفى حال استمر التوتر الاقتصادى بين الولايات المتحدة وأوروبا، فقد تشهد الساحة العالمية تحولًا فى خريطة التجارة العالمية، حيث يصبح كل طرف أكثر اعتمادًا على ذاته مع تعزيز قدراته الإنتاجية. على الرغم من التهديدات التى أطلقها ترامب فى إطار سياسته الخارجية، من فرض رسوم جمركية إلى الضغط العسكري، فإن السياسة الأمريكية تحت قيادته لا تزال تثير الكثير من التساؤلات بشأن استدامتها على المدى البعيد.
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، وسط صراع يبدو أنه مستعص على الحل بين روسيا والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، حيث يسعى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الوفاء بوعود حملته الانتخابية بإنهاء الحرب بسرعة، رغم أن أساليبه للقيام بذلك أثارت قلق الكثيرين فى أوكرانيا وأوروبا الذين يعتقدون أن نهجه «تصالحي» تجاه روسيا.
أعلن الاتحاد الأوروبى أمس تقديم دعم إلى أوكرانيا بقيمة 3.5 مليار يورو (3.68 مليار دولار) يُمنح فى مارس المقبل، فيما وافقت دول التكتل على فرض الحزمة الـ 16 من العقوبات ضد موسكو، وذلك فى خطوة تهدف لإظهار الدعم مع تغيير الولايات المتحدة نهجها لصالح روسيا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التى وصلت إلى العاصمة كييف، رفقة عدد من المسؤولين الأوروبيين، إن أوكرانيا ستستفيد أيضاً من خطط الاتحاد الأوروبى لزيادة إنتاج الأسلحة الأوروبية والقدرات الدفاعية.