نسمع ونردد كثيرا عبارات مثل التشوهات التشريعية أو العوار الدستورى والقوانين عموما حمالة أوجه، لكن المؤكد أن التشريعات البشرية ليست نصوصاً سماوية معصومة من النقد والقدح، فالدساتير والتشريعات والقوانين وجدت لتحقيق العدل وإحقاق الحق وهنا يشعر المواطن بالأمان والمساواة وتكافؤ الفرص، لكن الغريب ان نجد قوانين وتشريعات قائمة ويعلم القاصى والدانى أنها تستوجب التغيير والتعديل، لكن المواءمات السياسية تحكم وتتحكم، فرجال السياسة يتخذون قراراتهم وفق نظرية أكبر قدر من الرضا وأقل قدر من السخط.
> > >
حتى لو كان هناك قدر من الأخطاء بما فيها مظالم البعض.. استقر فى وجدان الكثيرين أن الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح، فالقوانين سارية ومستقرة رغم ما بها من اخطاء وتشوهات لم تعد تناسب الزمن وتطوراته، لكن الحق يقال إن الرئيس السيسى ليس من هؤلاء الساسة الذين يتركون الأدبيات الراسخة مكانها رغم عدم مناسبتها للظرف الذى نعيشه والواقع الذى نراه، حدث هذه كثيراً فى كل الأمور، نجد الرئيس يحرر المفاهيم أولا ويستمع إلى كل الآراء ويسأل كل أصحاب الأفكار والمختصين من أهل الذكر ثم يتخذ قراره ويصدر توجيهاته.
> > >
فى هذا السياق تأتى القوانين المنظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر وهى القضية التى هربت منها كل الحكومات وجمدتها كل المجالس التشريعية السابقة، لقد اقتحمت الدولة بكل مؤسساتها هذه التابوهات وقدمت الحكومة مشروعها وبدا الحوار ساخناً، بين أربعة أطراف، الأول الملاك والثانى المستأجرون والثالث المزايدون والرابع المتفرجون، لو أدخل فى العلاقة بين الأطراف الأربعة ولن انحاز إلى أى منهم فأنا لست واحداً منهم على أى حال، فقط انشد الإصلاح والعدل والتقدم.
> > >
لكن لى ملاحظات تبدو شكلية، الأولى يجب أن نترك المجال لاستعراض القضية وطرح الحلول بهدوء ودون تشنج وهذا لا أراه بادياً فى الأفق، الثانية: يجب أن يكون الحق والعدل والحلال والحرام وليس المواءمات والاسترضاء هو سيد الموقف، ثالثا: أرى استدعاء المؤسسات الدينية خاصة الأزهر ليقول رأيه وفى تقديرى أن هذا الرأى سيكون مبنياً على أسس تشريعية وفقهية منضبطة وسيكون حينئذ ملزما للكثيرين، أرى كذلك أن يفتح الإعلام والصحافة الموضوع بحيادية ومهنية بعيداً عن الاستقطاب الحاد،
> > >
القضية كما غيرها مثل قانون الإجراءات الجنائية وقانون المسئولية الطبية وقانون العمل والآن العلاقة بين المالك والمستأجر، هذه القضايا تمثل مداميك التشريعات الحاكمة فى المجتمع والتى تساهم فى استقراره ومن ثم تقدمه، لذلك فالتعديلات التشريعية الجارية بمثابة استئصال لأورام تشريعية اخرى تجذرت فى جسد المجتمع وباتت راسخة وثابتة رغم أنها على خطأ، وهنا وطالما فتحنا الملف أقتبس من المستشار محمود فوزى وزير الشئون البرلمانية والقانونية والاتصال السياسى سرده التاريخى لهذه التشريعات قبل أن نواصل حديثنا من زوايا أخري.
> > >
المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت 39 حكمًا فى شأن قوانين إيجار الأماكن، منها 26 بعدم الدستورية من أهمها:
– فى عام 1996 صدر الحكم بعدم دستورية استمرار شركاء المستأجر الأصلى للعين التى كان يزاول فيها نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو مهنياً أو حرفياً، فى مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى هذا المستأجر عنها.
– كما صدر فى عام 1997 حكم آخر بعدم دستورية استمرار الإجارة التى عقدها المستأجر فى شأن العين التى أستأجرها لمزاولة نشاط حرفى أو تجارى لصالح ورثته بعد وفاته.
وبمناسبة صدور هذين الحكمين، صدر القانون رقم 6 لسنة 1997 والسارى نطاق تطبيقه على الوحدات المؤجرة لغير غرض السكني، وتتلخص أبرز ملامحه فى الآتي:
– أولا: تعديل القانون رقم 49 لسنة 1977، فيما يتعلق بامتداد عقد إيجار الأماكن المؤجرة لغير غرض السكني، مع مراعاة تقرير أثر رجعى لهذا التعديل، دفعًا للآثار المترتبة على الأثر الرجعى لتطبيق حكمى المحكمة الدستورية العليا المشار إليهما.
– ثانياً: قرر حكماً جديداً، مفاده عدم استمرار العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء فى العين إلا لصالح المستفيدين مـن ورثة المستأجر الأصلى دون غيره ولمرة واحدة، وذلك اعتبارا من اليوم التالى لتاريخ نشر القانون.
– ثالثاً: زيادة الأجرة القانونية للعين المؤجرة لغير أغراض السكنى المحكومة بقوانين إيجار الأماكن، وفق النسب الموضحة والتى تختلف بحسب تاريخ إنشاء المبني، مع تقرير زيادة دورية سنوية بنسبة 10 ٪ من آخر أجرة مستحقة.
– حكمها عام 2002، المتضمن قصر امتداد عقد الإيجار على المستأجر وزوجته وابنائه بشرط الإقامة الفعلية ولجيل واحد بعدها تعود العين لمالكها.
– حكمها الصادر فى عام 2018 والذى قضى بعدم دستورية امتداد عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكني.
ونفاذًا لهذا الحكم، صدر القانون رقم 10 لسنة 2022، والتى تتلخص أبرز ملامحه فى الآتي:
– أولاً: سريان أحكامه على الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى وفقا لأحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981.
– ثانياً: إخلاء تلك الأماكن بانتهاء مدة خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون.
– ثالثاً: زيادة القيمة الإيجارية القانونية لتلك الأماكن لتصبح خمسة أمثال القيمة القانونية السارية، مع تقرير زيادة دورية سنوية بنسبة «51 ٪» من آخر قيمة مستحقة.
– رابعاً: يلتزم المستأجر بإخلاء المكان المؤجر ورده إلى المالك أو المؤجر، بحسب الأحوال، فى اليوم التالى لانتهاء المدة المبينة بالمادة «2» من هذا القانون.
كما استعرض الوزير فوزى ما انتهى إليه حكم المحكمة الدستورية الصادر فى التاسع من نوفمبر 2024، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين «1 ، 2» من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والمتضمن عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام بالقانون رقم 136 لسنة 1981، وحددت المحكمة بداية نفاذ آثار حكمها فى اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالي.