أول جريمة فعلتها إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا هى احتلال منطقة فض الاشتباك والسيطرة على جبل الشيخ، ثم تدمير أسلحة الطيران والبحرية والدفاع الجوي، والإجهاز على البنية العسكرية ومنصات الصواريخ السورية، وهو نفس المشهد الذي حدث في العراق «وإن اختلفت الجهات الفاعلة» فبعد الغزو الأمريكي عام 2003 عملت دول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على تدمير كافة الأسلحة العراقية وتسريح الجيش العراقي وتحويله إلى قوات أمنية بأسلحة خفيفة، أيضا فقد تم تدمير الجيش الليبي بعد انهيار نظام القذافي، وإضعاف جيش اليمن بعد اغتيال رئيسه الأسبق علي عبد الله صالح، والآن يتعرض الجيش السوداني للاستهداف نتيجة صراعات داخلية، وللأسف فإن إضعاف أو تدمير كل هذه الجيوش جاء بالخصم من رصيد القوة العربية ولمصلحة إسرائيل ومخطط تقسيم المنطقة.
هذه التجارب « المريرة» لبعض الجيوش العربية، كان لمصر نصيب منها مع فارق مهم جدا، هو أن الجيش المصري الذي تعرض للتدمير في حرب أو مؤامرة 1967، استفاد من التجربة جيدا وأعاد بناءه في وقت قصير وعلى أسس سليمة بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وتحديد حجم القوات، ونجح في استكمال أوجه النقص في بعض الاسلحة باستغلال مميزات اسلحة اخرى ونجح كذلك في استخدام أسلحة دفاعية في واجبات هجومية لموازنة تفوق العدو، وبجانب كل هذا كان هناك اهتمام خاص بإعداد الفرد المقاتل إعدادا بدنيا وثقافيا ومعنويا وعلى أساس الإيمان بأن الرجل – وليس السلاح – هو الذي يأتي بالنصر في النهاية، وهو ما حدث بالفعل في حرب أكتوبر 1973 فكان النصر والعبور واستعادة سيناء» بالحرب والسلام» من الاحتلال الإسرائيلي.
لقد شكلت عملية إعادة بناء القوات المسلحة – رغم صعوبتها – ثم تحقيق النصر على إسرائيل، ملحمة كبيرة في تاريخ مصر والمصريين وأصبح للجيش مكانة عظيمة في قلب كل مصري، كما أصبحت عبارة «روح أكتوبر» والتي تشير إلى تكاتف الجيش والشعب في أوقات الشدة، تمثل كلمة السر في معظم النجاحات التي تحققت بعد ذلك، وقد استمرت هذه المشاعر على مدار عقود شغل الحفاظ على قدرات القوات المسلحة خلالها حيزا كبيرا من اهتمامات القيادة السياسية، لذا لم يكن غريبا بعد أحداث يناير 2011، أن يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسئولية، وأن يدير المجلس هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا بحكمة وبراعة انقذت مصر من براثن الفوضى والحرب الأهلية، فيما استمرت الحرب التي خاضتها القوات المسلحة ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء عدة سنوات، إلى أن تم دحر الإرهاب نهائيا والتفرغ لتنمية وتعمير سيناء، إلى جانب تنمية كافة المحافظات المصرية.
لقد كان تفوق القوات المسلحة في اكتوبر 1973 سببا مباشرا في استعادة المصريين ثقتهم في جيشهم وأنفسهم، وأنهم منذ هذا التاريخ ورغم الأزمات الاقتصادية التي مروا بها إلا أن هذه الثقة لم تهتز أبدا نتيجة عوامل عديدة من بينها أن الجيش المصري حافظ على تفوقه من خلال التدريب والتسليح، وعدم انخراطه في صراعات المنطقة، كذلك فإن الأنباء الواردة تؤكد حرص الدول العربية والأجنبية على إجراء التدريبات المشتركة مع مصر لما وصلت إليه القوات المسلحة المصرية من كفاءة وقدرة على إدارة العمليات وتنفيذ المهام المكلفة بها، أضف إلى ذلك إدراك الشعب أن قواته المسلحة تضم كل أبناء الوطن دون تمييز أو تفريق، كما أن عقيدتها القتالية هي الحفاظ على الدولة المصرية وحماية الوطن ومقدساته، وهو ما ثبت بالفعل عقب أحداث يناير 2011 وفي انحياز القوات المسلحة للشعب في ثورة 30 يونيو.
الخلاصة هنا أن القوات المسلحة التي شهدت اهتماما غيرمسبوق في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتطوير وتنويع مصادر السلاح ما أهلها لأن تحقق ترتيبا متقدما بين جيوش العالم بما تملكه من قوة وقدرة فائقة تمكنها من التعامل بصبر وحكمة مع كل ما يدور من صراعات حولها، هذه القوات باتت قادرة في أي وقت وتحت أي ظروف على رد الصاع صاعين لكل من تسول له نفسه التعدى على حدود الدولة المصرية والعبث بمكتسباتها ومقدراتها.. أو كما قال الرئيس «اللي عاوز يجرب يقرب».. وللحديث بقية .