على قدر الاهتمام الكبير بهم من جانب الدولة التى تقدم لهم كل الدعم تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى برعاية خاصة لذوى الهمم ومنهم ذوو الإعاقة البصرية لكن تبقى المشكلة فى الثقافة المجتمعية التى مازالت تراهم غير قادرين أو مؤهلين للكثير من الوظائف، بل يراهم البعض غير مؤهلين لاتخاذ القرارات التى تخصهم.
الدولة ترعى ذوى الهمم الأكفاء من خلال برامج دعم متعددة وتذليل العقبات التى تعوقهم عن الانخراط والاندماج فى المجتمع توفر لهم العصا البيضاء التى تساعدهم فى قضاء احتياجاتهم والتحرك فى أمان توفر لهم فرص عمل من خلال نسبة الـ٥٪ توفر لاب توب للطلبة منهم للتعلم، تفرض استخدام نظام «برايل» فى كل مجال تخصص لهم أماكن محددة فى وسائل المواصلات تستخرج لهم الأوراق الثبوتية.. كل الدعم الذى تقدمه الدولة لهم يقابله ثقافة مجتمعية صعبة تحتاج إلى جهد كبير من أجل تغييرها ليخرجوا قدراتهم ويقدروا أنهم لم يختاروا الإصابة بل فرضت عليهم، ورغم ذلك لديهم القدرة على العمل والتحدى والنجاح فى هذا التحقيق يشرح بعض من فقدوا نعمة البصر معاناتهم مع المجتمع بل حتى على أقرب الناس إليهم.. ويتساءلون.. الدولة تدعمنا.. والرئيس يساندنا.. فلماذا يظلمنا المجتمع؟
معاملة
سيئة
يقول حماده سعد أنه يشكو من اسرته التى تعامله معاملة غير آدمية بالمرة فكانت ترفض تعليمه لولا إصرار والده الذى توفاه الله ليرى جحيم المنزل حيث منعته الاسرة من الخروج من المنزل حتى فى أوقات الصلاة يلزم وجود أحد معه ليلا ونهارا فى غرفته التى أصبح يكرهها ودائما ما يفكر فى الهروب ولكن إلى أين؟ ولولا حفظه لكتاب الله لكان فقد إيمانه من شدة ما يشعر به من ألم فهو إنسان له متطلبات ولكن لا أحد يستمع له ولا يأخذ برأيه ولا يتم إشراكه حتى فى أى موضوع وإن حاول التحدث يجد الصراخ والسباب فى وجهه دون أى سبب ولهذا أصبح يهوى الصمت وفى انتظار انتهاء أى يوم قبل بدايته مؤكدا ان ثقافة المجتمع تحتاج إلى تغيير في التعامل مع الأكفاء.
مرغمة على الزواج
أسماء أحمد «19 سنة» قالت أنها منذ ولادتها وجدت كل شيء مظلم حيث رفض والدها تعليمها ولم يكن لديها أى رأى فى أى شيء فهى لا تعمل سوى بالمنزل وتخدم الجميع ولا تعارض أيا منهم وكانت تتحمل ولكن قلبها الصغير كاد ينفجر عندما سمعت اسمها متداول بإحدى الزيارات المنزلية التى لا تعلم عنها شيئا لأنها ممنوعة من الخروج لتجد اسمها فى جلسة اتفاق على الزواج بأحد الأشخاص المتأخرين عقليا وليس مكفوفا مثلها حتى وعندما عارضتهم وجدت الضرب والعقاب ولم يسمع لها أحد وكانت اجابتهم.. «أحمدى ربنا ان حد هيتجوزك» لتتوقف الحياة كما توقفت عينها عن الرؤية.
وجع أخر تسرده تقى هشام..حلم التصوير دائما مايطاردها وأنها تتمنى تحقيقة على أرض الواقع ولكن المجتمع يهمش المكفوفين ولا يترك لهم فرصة المحاولة.
أربعينية وحيدة
شيرين فتحى «40 عاما» تحكى أنها تعلمت وكبرت وتزوجت ورزقت بأطفال مبصرين وعملت أيضا بإحدى الشركات لتجد أن الحياة بقى لونها وردى بعد أن أكرمها الله وعوض عنها الغاليتين ولكنها صدمت عندما تركها زوجها دون أى مبرر وتزوج بأخرى ولا يدفع نفقة لأولاده معتمدا على عملها الذى تعمل به لتصطدم بأرض الواقع حيث تعرضت لاستغلال بشع من المحامين فى محاولة الحصول على نفقتها ونفقة أطفالها.. مشيرة إلى أن قضيتها ظلت بمحكمة الأسرة لمدة 10 سنوات ولم تحصل فيها على جنيه واحد.
كما تسرد معاناتها فى حلمها الطفولى فى أن تكون أول مذيعة من المكفوفين وخاصة أنها تملك صوتا مميزاً فى إعداد وقراءة النشرة الإخبارية أو استخدام صوتها كفويس أوفر لبعض الإعلانات لتجد ترحيبا من العديد وتشجيعا ولكنها فى حقيقة الأمر تعرضت لعمليات نصب كبيرة فى تأدية إعلانات دون أخذ مقابل وتكون الإجابة صادمة أنه يكفى أنهم استعانوا بمكفوفة وتكون هذه الكلمة بمثابة رصاصة فى صدرها وأكدت أنها تقوم بدفع مبالغ مالية مقابل التسجيل والإعلان ويتهرب أحيانا الضيوف لتخوفهم عند سماع أن لديها إعاقة بصرية وكأنها سبة ولكن شيرين ستظل تحلم وتثابر لتصل للإذاعة إنسانة طبيعية ومن حقها تحويل الحلم لحقيقة.
أنا
السبب
مروة محمد غريب تحكى لنا قصة عدم الرضا فقد تزوج والدها ووالدتها ورغم معرفتهم أنهم أقارب إلا أنهم تزوجوا ليرزقوا بأول ابن لهم سليما ومن ثم تتوالى المفاجآت ليأتى الثلاثة الآخرون لديهم مشاكل ولكن بنسب حتى جئت أنا لا أرى ومن هنا قرر والدى أن أمى السبب وتركها ليتزوج بأخرى رغم علمه أنها غير متعلمة ولا تعمل وأننا نعيش فى أقاليم ولا يتوفر العمل بسهولة وخاصة للسيدات لتقف الحياة ولكن والدتهم لم تقف كافحت وعملت حتى زوجتهم وعلمت أبناءها وزوجتهم. ظلت مروة معها وتخرجت فى آداب قسم تاريخ وعملت بأحد المستشفيات ولكن الرواتب متدنية لا تكفى. وأصبح حلم مروة أن ترد لوالدتها ولو جزءا من الدين الذى قامت به.
ونبرة حزينة.. طالبت بالنظر إلى المكفوفين بنظرة خاصة فلك أن تتخيل ولو ثوان أن تغمض عينيك وتمشى وتصعد وتخرج وتعمل وكل هذا دون أن تفتح عينك باختيارك وليس بالإجبار ونحن لسنا عالة على المجتمع ولا نريد رواتب دون عمل فنحن بشر ولدينا طاقة وفكر ونريد أن نعمل بشهادتنا وليس كسد خانة الدولة تدعمنا باجراءات عديدة لكن المجتمع يجب أن يحترمنا. .
وجع آخر سرده لنا حسام أسامة حيث قال إنه تخرج فى كلية الآداب جامعة القاهرة عام 2018 وبحث عن عمل ولكنه لم يجد سوى العمل التطوعى وقبل به وعمل وفكر فى أخذ الكورسات كالتنمية البشرية والرقمية والإعداد والمونتاج وعندما وجد إحدى الوظائف وتمت الموافقة عليه فوجئ مع أول اجتماع بالشركة أنه لا يستطيع العمل للإعاقة البصرية ويتساءل هل قمت بالتقصير أو الفشل فى أى عمل أى شيء؟ وكانت الإجابة لا بل إننا لا نقبل ذوى الإعاقة البصرية ليعلق حسام شهاداته على الحائط.
شباك العذاب
شكوى أخرى من أحمد فتحى 36 عاما خريج آداب قسم لغة عربية جامعة بنها انه فى أحد الأيام تأخر على موعد القطار ذهب إلى مكتب تذاكر القطار فشهد زحاما لم تمكنه من حجز تذكرة واستقل القطار مضطراً وعندما جاء الكمسرى قام بقطع نصف تذكرة .. يقول أحمد: الكمسري تعنت وقام بتغريمى دون النظر لحالتى ولم تكن المرة الأولى أو الأخيرة ونظرا لأنى لم أملك هذا الكم من المال أصبحت أقف فى الطابور الذى ترصده أشعة الشمس الحارقة والطابور الذى لا ينتهى وكل هذا لماذا؟ لأننى أبحث عن عمل فالمواصلات العامة بشكل كلى صعبة جدا علينا وأمنيتى أن يكون هناك عربات مخصصة للمكفوفين أو باص مخصص لنا وبالمجان لأن التكلفة غالية علينا وخاصة أننا لا نعمل أو توفير تطبيق نحجز عليه ويكون بأسعار رمزية.
يجب تفعيل الــ٥٪
وجع آخر جاء على لسان أحمد محمد خريج كلية الأزهر حيث قال أعانى منذ عام 2012 منذ أن تخرجت لعدم توفر أى عمل سوى التطوعى وقمت بالبحث عن نسبة الـ5 ٪ لأجد أنها ليست متوفرة لدى بعض المؤسسات والبعض المعين بها ليس من المعاقين بل أشخاص عادية ولكنه يطالب المسئولين بتنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى قدرهم ويكرمهم وخصص لهم معاشات لهم ويحاول جاهدا توفير متطلبات الحياة لهم لأنهم تعلموا ويريدون العمل والاهتمام بالأجور.
بينما عبر عبدالرحمن الذى يدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والتى اجتهد لدخولها عبر عن وصدمته عندما علم بأن بعض الوزارات لا تستعين بالمكفوفين وتساءل لماذا لا يستعينون بنا؟ ومن المسئول عن ملف المكفوفين بالخارج؟ ولكن دون جدوى ليتساءل عبدالرحمن أيضا هل أنا من اخترت إعاقتى لتقف يوما أمام حلمي؟
راتبى لأخى
وعبرت صابرين محمد «41 عاما» عن صدمتها عندما كبرت وسألت عن والدتها ولماذا لا أذهب أنا مثل أشقائي للمدرسة ؟ لتجد الإجابة بمنتهى السخرية.. ماذا ستفعلين بالشهادة.. لتكبر صابرين دون أن يلتفت إليها أحد لتتفاجأ بمن يتزوج من اخواتها أو يخطب أو يرزق بمولود وهى لا تعمل شيئا سوى خدمة والديها الذين توفيا ولم يتركوا لها أى شيء سوى منزلها الذى أصر اخواتها على بيعه ليأخذ كل واحد النصيب الخاص به دون التفكير فيها ليعرض عليها أحد اخواتها أن تعيش معه ووافقت حتى لا تكون عقبة أمامهم ولكنه يتحكم فى ميراثها بحجة شراء متطلباتها ولا يتركها تتصرف فى أى شئ ومن هنا وجدت نفسها فى نفس مسلسل ابيها وأمها بغرفتها التعيسة وسماع الأصوات من الخارج دون أن تعلم ماذا يحدث إلا بالصدفة لتتمنى صابرين أن تنتهى أيام العمر.
ندفع للمدن الجامعية
قال أحد المكفوفين انه على الرغم من قرار إعفاء المكفوفين من مصرفات المدن الجامعية إلا أن المدينة الجامعية ببنى سويف ندفع لهم حوالى 2000 جنيه وأن والده دفع له فى حين أن هناك أشخاصا لم يقدروا على هذا المبلغ فمعظمنا بسطاء للغاية وأسرنا لا تتحمل أى مبالغ وأيضا التابلت يتأخرون فى تسليمه وفى حال الشكوى نجد معاملة غير حسنة بالمرة ولهذا أفكر فى عدم إكمال الدراسة لأننى أشعر أننى عبء على أسرتي.
بينما يقول رمضان حسن «22 عاما» يدرس بالأزهر الشريف أننا نعانى من الدراسة النظرى ولم يكن هناك عملى سوى بالشهادة الإعدادية والثانوية مشكلتنا الحقيقية فى المرافق فأحيانا يتم توفير مرافق ولكن ليس من نفس السنة الدراسية بل أقل ويتم الاستعانة ببعض العمال الذين لا يعرفون الكتابة بشكل صحيح مما أدى إلى رسوب بعض زملائهم وأيضا لا تتوفر لدينا طريقة برايل والتى تساعدنا كثيرا فى كل شيء ولكن الأزهر لا يعترف بها ولهذا نقف أمام هذه المشكلة التى ليس لها حل.
يشتكى العديد من المكفوفين أن مواعيد الكموسيون الطبى تصل إلى طول اليوم أحيانا والحالات تكون ظاهرة ورغم هذا نقوم بعمل كافة الكشوف لإثبات الحالة وهذا من حقهم لكن الوقوف بالساعات يرهقنا كثيرًا.. تقول أمنية عماد «19 عاما» أنها اجتهدت فى الدراسة وكان يتم تكريمها على مستوى الأعوام الدراسية حتى الثانوية العامة والتى تخرجت فيها بمجموع استطاعت من خلاله التقدم لكلية الإعلام وأنها حصلت على المركز السابع مكفوفين على الجمهورية ولكنها صدمت بعدم تكريمها أو مكافأتها على هذا التفوق فى حين أن طلاب الثانوية العامة العاديين يتم تكريمهم حتى المركز 10 ورغم هذا لم يتم حتى ذكر اسمها ولكن مدرستها الوحيدة التى قامت بذكرها وتكريمها وأنها تتمنى أن يتم توفير منح لهم مقابل تفوقهم وفرص عمل لهم.