على مدار السنوات القليلة الماضية تم إنتاج عدد قليل من الأفلام السينمائية التى حازت على اعجاب وتقدير الجمهور والنقاد وأهل الصنعة.. وآخر هذه النوعية من الأفلام هو «أهل الكهف» حيث يحترم عقلية المتفرج ويجذبه من أول مشهد دون الاعتماد على التشويق أو الإفيهات «إياها» أو التلاعب بالحواس والرغبات أو «الخناقات».. كما يحتوى على جميع عناصر العمل الجاد الهادف الذى يبعث برسالة مهمة قد تسقط على الوضع الراهن فى المنطقة مفادها أنه على مر التاريخ يعمل اليهود على «دق الأسافين» ونشر الفتنة بين مختلف الطوائف من خلال شخصية الوزير اليهودى فى العصر الرومانى والتى جسدها»صبرى فواز»..
ورغم أنه فى بداية الفيلم تم التنويه إلى أنه لا يمت بصلة بقصة أهل الكهف فى القرآن الكريم إلا أنه تحدث عنها صراحة وهذا لا يعيبه أبداً ولا ينقص من جديته وتميزه خاصة مع المعالجة والسيناريو والحوار للمبدع أيمن بهجت قمر الذى تعامل بلغة مباشرة سلسة وبدون فلسفة لدرجة أن الفيلم ينتهى وأنت لاتشعر بمرور ساعتين كاملتين.. ونجح «ابن قمر» فى مزج الرومانسية الناعمة وقصص الحب فى الحكاية مع الصراع والمعارك والدسائس وكذلك مع الكوميديا الراقية بدون إيحاءات..
طبعاً أخذ العبقرى عمرو عرفة هذه الوجبة الدسمة وتلاعب بكاميرته معها مثل مايسترو يعزف سيمفونية سينمائية فى صورة مبهرة وإدارة معارك «زى الكتاب مابيقول» ويستحق أن يكون أحد أساطين الإخراج وخاصة لأعمال الأكشن ومشاهد المعارك.. ويضع نفسه كآخر العنقود لجيل الأساتذة يوسف شاهين وسمير سيف وعاطف الطيب وغيرهم..
اختيار محمد ممدوح لتجسيد شخصية القائد العسكرى «بولا» حالفه الصواب بامتياز فقد توافق بنيانه الضخم مع أدائه المحترف بدون «فذلكه» ليجعل منه نجماً للفيلم بجانب خالد النبوى واحمد بدير وغادة عادل وأحمد فؤاد سليم ومحمد فراج وريم مصطفى وهاجر أحمد والقدير رشوان توفيق.. وأعاد الفيلم اكتشاف أحمد عيد بعد ضياعه لسنوات طويلة وسط الرياح والأمواج ليكون مصدر البسمة والضحكة مجسداً كوميديا الموقف بهدوء وبدون لفظ او إيحاء خارج.. وكان الاختيار الوحيد الذى لم يتوافق تماماً مع الشخصية هو بيومى فؤاد الذى ظن أن الامبراطور شخصية كوميدية رغم جديتها الشديدة وشراستها.
ظهر جلياً ثراء الانتاج من حيث المعدات الحديثة وأماكن التصوير والعدد الكبير للمجاميع فى المعارك وكذلك الديكورات.. كما أن الفيلم استغرق إعداده حوالى خمس سنوات.. وبدون مجاملة وجبت التحية إلى المنتج محمد رشيدي.. وحقيقى إنه فيلم لا تندم أى أسرة على مشاهدته.