عيلة، شيلة، زحمة، ،ليلة، هكذا تبدأ حلقات مسلسل (امبراطورية ميم) طوال شهر رمضان بأغنية معبرة عن محور القضية التى يناقشها العمل المأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدوس، والتى رأت فيها فاتن حمامة قضية مهمة فى بداية السبعينات، فقدمتها فى السينما وقامت بدور (صاحبة الشيلة) وأم الابناء الستة، لكننا هنا رأيناها بالصاحب الأصلى فى الرواية، الاب، الذى قام بدوره خالد نبوي، وستة ابناء وبنات تولى تربيتهم بعد موت الام، مع إضافة وجود العمة بجانبه (نشوى مصطفي)، وهكذا أتاح المسلسل فى حلقاته الثلاثين التى كتب لها المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار محمد سليمان عبد المالك، وأخرجه محمد سلامة، والاثنان لهما تجربة ناجحة معا قبل عامين فى مسلسل (راجعين يا هوي) عن قصة الكاتب أسامة أنور عكاشة، ولكن المغامرة هنا تصبح أشد وأصعب لأنه عمل درامى مكتوب عن قصة من زمن الستينات، ولأن تقديمها فى فيلم قوى ومحبوب يجعل المقارنات مستمرة والانتقاد أشد، ولكن، برغم هذا فأن المسلسل استطاع أن يجذبنا من خلال عناصر عديدة اولها اختيارات المخرج لفريق العمل و للممثلين والممثلات، وأيضا قدرته على إدارة هذا الحشد فى اغلب اللقطات مع مدير تصوير بارع هو محمد مختار بحيث اصبح بيت (مختار أبوالمجد) الأب وأبنائه مقرًا مهما لنا كمشاهدين لنعرف منه ما الذى تغير من الأمس لليوم، وبرغم أهمية هذا إلا أنه،اى منزل العائلة،كان سببا أيضا فى بعض لحظات الملل حين يهدأ الصراع بين الإخوة الستة، او بينهم وبين الاب، أو العمة مديحة، ثم مع مادى (ماريان السيد)، الفتاة التى استضافها الشقيق الأكبر فى المنزل بعد تعرضها لازمة كبيرة، وهنا، مع احداث اخرى عديدة، لابد ان ندرك اننا أمام مسلسل تدور احداثه بعد نصف قرن من احداث الفيلم، واكثر من هذا بالنسبة للقصة الأصلية، وهذا هو المنطقى من اعادة تقديمها عام 2024، وليصبح السؤال الاهم هو ما الذى حدث للاسرة بعد كل هذا الزمن؟
أبناء اليوم وقضاياهم
فى سلوكيات الابناء الستة،وعلاقاتهم بالأب مختار تبدو الفروق واضحة بين الأمس واليوم وهو ما نراه يبدأ من غرور الابن الأكبر مروان (نور النبوي) والابنة منى المتفوقة والتى اصبحت معيدة وسافرت لتكمل تعليمها بدون إذنه (هاجر سراج )،والابنة ماياالثائرة دائما والتى تقوم بقص شعرهاعلى الزيرو فى لحظة غضب (الهام صفى الدين)، والطفلة مى الباحثة دائما عن أبيها (منى احمد زاهر)، ومازن المراهق الصغير الحكيم (احمد وهدان)، واخيراً مصطفى الذى يطارد اباه بمحبته وتأييده (ريمون توفيق) ومن علاقة هؤلاء الستة بمجتمعهم فى المدرسة والجامعة، والصداقة، ومن سماعهم حكايات الأخ الكبير ورغبته فى زعامتهم يتحول (بيت مختار ابو المجد ) إلي. خلية نحل لا تهدأ، خاصة مع بعد الاب صاحب الشركة، وضعف سيطرة العمة، وإحساس عام بأنه غائب، اى الاب، الذى يعيد اكتشاف نفسه ايضا من خلال أزمات متتالية يعايشها، قبل ان تحاصره.
لن أبيع تاريخي. وأيامى الجميلة
يدفعنا العمل ان نتساءل مع بطله الأب، هل هناك سلوك أمثل لتربية ابناء وبنات هذا الزمان؟ وهل تصلح أساليب الماضى للحاضر؟ وهل انتهى زمن الخوف من الاب ومن الكبار كلهم ؟،لقد اجتمع الابناء وقرروا (بسبب غياب الاب فى عمله ) إجراء انتخابات لاختيار من يقود البيت، وبمجهود كبير استولى مروان على السلطة، وفزع الاب لهذا، واكتشف الكل بعدها معنى الأبوة، بل اكتشفوا ان مروان اصبح أسوأ،ولحس وعوده ساعة الانتخابات، وهو ما جعلهم يعيدون اكتشاف قيمة واهمية الاب ويضيف مساحات من التأمل للمشاهد حول العلاقات فى البيت الواحد، وكيف تتوازن، وهو ما يسير فيه العمل بالإضافة لخطوط اخرى مثل رغبة خال الابناء (محمود حافظ) فى الزواج من عمتهم، ورفض الام، حماة مختار وجدة أبنائه، ومثل الجارة مى (حلا شيحا) التى تستنجد به مرة بسبب مطاردة طليقها لها (محمد محمود عبدالعزيز) وبعدها يصبحان صديقين، واخيراً، الحدث الاهم، وهو رغبة احد اصحاب الشركات العقارية فى شراء منزل الاسرة، وكل المنطقة، لإقامة مشروع جديد، ورفض الاب (لا أبيع تاريخي، ولا ذكرياتى ولا أيامى الجميلة) وبالتدريج، تغرى الشركة بمندوبتها الحسناء وغيرها الكثيرين لبيع بيوتهم، وفى النهاية يقع مروان فى الفخ، بعد تهديده بإيذاء أبيه، ويوقع بدلا منه، ،وهو ما وصلت إليه الحلقة قبل الأخيرة فى هذا العمل الجميل والمهم والذى يبدأ بأغنية عن (عصابة) الأبناء الستة بصوت وأداء مدحت صالح الرائع ومع توالى مشاهد لا تنسي. لكن الاهم فيه هو ما يثيره فينا من افكار وتأملات فى علاقتنا بأقرب المقربين الينا، وهل هى فى المسار الصحيح أم تحتاج الى جهد كبير كبطل هذا العمل الذى قدم دورا مهما ومختلفا هنا.