كلما زادت إسرائيل فى هجماتها الشرسة على الجنوب اللبناني تذكرت وصف الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل «رحمه الله» عن إمكانيات الاحتلال الاسرائيلي وقدراته ان «العدو الإسرائيلى، على الرغم من قدرته على استغلال ما يتاح له من إمكانيات، فإنه لا يلقى الرعب فى النفوس وقدراته لا تخرج عن الإطار العادي، وإلحاق الهزيمة الكاملة به أمر ممكن» ، و قال »إن دولة تقيم وجودها وتؤكد أمنها بالتضاد مع الجغرافيا والتاريخ من الطبيعي أن تستحوذ أدوات القوة والعمل السرى صدارة أولوياتها، وهي هنا الجيش الإسرائيلي والموساد وجهاز الأمن الداخلى« كما قال «انه كلما زاد العنف كان تعبيرا عن رعب شديد».
الاحتلال الإسرائيلي يضرب بعنف شديد فى قرى جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، وزاد فى التصعيد.
شدد إلياس الزعبي محلل سياسي لبناني انه لم يكن مستبعدا بعد التطورات الاخيرة والهجوم الجوي الواسع وعمليات الاغتيال والإجراءات التي اتخذها الجيش الاسرائيلي فى الجنوب، هذه الموجات المتتالية من العمليات الجوية وما صاحبها من عمليات نزوح واسعة على الجانبين بالاف، بعد ان كانت هناك تسويات طرحت مرارا امريكية وفرنسية، بأن يتواجد حزب الله وقواته العسكرية فى منطقة شرق الليطاني بما يسمح بترتيب وترسيم الحدود وعودة النازحين، والرفض المتكرر من جانب الحزب، ادى الى تصعيد الموقف من جانب اسرائيل للضغط على حزب الله ليقبل بهذه التسوية، مشيرا إلى ان الحزب ارتكب خطأين متتاليين، وهو ربط الجبهة اللبنانية بالحرب على غزة، وتفرد مع محور المقاومة بهذا القرار، بعيدا عن السلطة الشرعية اللبنانية والخطأ الثاني رفضه المتكرر التسويات المطروحة، وأصبحت المسألة أكثر تعقيدا خصوصا ان التدمير سوف يصبح مكلفا فى ظل وضع اقتصادي متردٍ.
قال ان ما قاله رئيس ايران فى قمة المستقبل فى الأمم المتحدة يوضح مدى عزلة حزب الله أمام الاعتداء الاسرائيلي، بأنه لا يمكن تقدير المستقبل لهذه الحرب، مشيرا إلى انه لا يمكن وقف هذه الحرب الا بمبادرات دولية وبدعم عربي، حتى لا تتسع الحرب الى حرب اقليمية، ومن الواضح ان إيران تبحث عن مصالحها بعقد مساومات وصفقات مع الولايات المتحدة.
يقول د. رائد المصري استاذ الفكر السياسي والعلاقات الدولية اللبناني، ان الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، والتي بدأت بتفجيرات البيجر و حتى اليوم، واستهداف قادة المقاومة فى الضاحية الجنوبية لبيروت، هو بذلك يضرب عرض الحائط بالقرار الاممي 1701، ويخرج عن قواعد الاشتباك، حيث ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو يريد ان يوسع قاعدة الاشتباك، وهو يستهدف إعادة هيبة الردع الإسرائيلي التي فقدها منذ حرب غزة، وفقا لشروطه ورؤيته الاستراتيجية العسكرية، و التي تفرض مساحات أمنية بين لبنان و أراضي فلسطين المحتلة، كما يريد إخضاع المقاومة فى لبنان من خلال اغتيال القادة العسكريين فى حزب الله، وحاليا الاشتباكات مستمرة، والمقاومة ردت بقوة، وتكشف عن مفاجأت عسكرية، وهي لا تريد كشف كل أوراقه أمام العدو، وبطبيعة الحال مازال رد المقاومة قائماً وفقا لقواعد الاشتباك المعمول بها منذ بداية الحرب، بقصف قواعد ومنشآت ومراكز عسكرية للجيش الاسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة، وفى المدن التي تتواجد فيها اليات ومراكز الجيش الاسرائيلي المستخدمة فى التجسس على المقاومة.
أوضح المصري: ان نتنياهو يستهدف بالتوسع اليومي فى استهداف قرى الجنوب اللبناني، والحاق خسائر على الارض باستشهاد 500 واصابة اكثر من 1800 من اجل ان ترد فصائل المقاومة بقوة اكبر، وان تتوسع الحرب، لاستجلاب الدعم الخارجي، من الناتو و الولايات المتحدة الامريكية، وبوارجها الحربية وحاملات الطائرات، لكي يعد خلطاً الاوراق فى المنطقة، كما جاء فى خطابه الذي تحدث فيه عن تغيير شامل فى منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي فإن نتنياهو يريدها حرباً طويلة يستطيع ان يحقق فيها ضربات عسكرية قوية ضد ايران وحلفائها فى المنطقة، هروبا من الازمات الداخلية ومن المحاسبة على الاخفاق فى حرب غزة، وألا يتفرغ الجمهور الاسرائيلي لمحاسبة نتنياهو، و هو يعمل طوال الوقت على خلط الاوراق من خلال توسعة الحرب، و يريد ان ترد ايران لكي يتم تدمير محور المقاومة الذي يؤرقه، وهو ما لا ترغب فيه ايران حتى لا تحدث حرب اقليمية لا طائل منها، والجانب الامريكي لا يريد هذه الحرب، ولكن نتنياهو يسعى لها بكل قوة، بجر حزب الله واستفزازه المتواصل، و ها هو يستهدف احد القادة العسكريين المهمين فى حزب الله مرة اخرى، كما يستهدف المدنيين الذي حذر الامين العام للحزب حسن نصر الله من استهدافهم، كي تخرج المعركة عن حدود الاشتباك الى حرب اقليمية واسعة، وكذلك هروب نتنياهو من المبادرات الدبلوماسية من اجل انهاء الحرب فى غزة، ويريد ان يغير الواقع فى منطقة الشرق الاوسط وفقا لرؤيته الصهيونية.
قال ان المقاومة فى لبنان تدرك أهداف إسرائيل من هذه الضربات الموجعة، وتتجنب الدخول فى حرب موسعة، وألا تفرض اسرائيل رؤيتها الاستراتيجية فى المنطقة الجنوبية من لبنان، وتتعامل مع هذه الحرب على انها حرب استنزاف للجبهة الاسرائيلية فى الشمال، من أجل وقف الحرب على غزة والضفة الغربية، وحماية الشعب الفلسطيني من الهجمة الوحشية التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي، والدخول فى مفاوضات، و هذا الواقع لا يريده نتنياهو وحكومته.
أكد د. عدنان منصور وزير الخارجية والمغتربين اللبناني الأسبق ان الوحشية التي ترتكبها اسرائيل ظنت أنها قد تقضي على المقاومة، وتشلّ قدراتها، وتسهّل لهم رسم الحزام الأمني والسيطرة عليه في جنوب لبنان، وتضع المقاومة أمام الأمر الواقع «الإسرائيلي»، بغية فكّ ارتباطها مع غزة، ولكن حزب الله قال بوضوح علي لسان الأمين العام للحزب حسن نصر الله »لن تعيدوا سكان الشمال، وافعلوا ما شئتم«. وهذا يعني أنّ المعركة الدائرة حالياً مع العدو تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى حرب مفتوحة.
و قال انه مهما كان جرح المقاومة بليغاً نتيجة المجزرة القذرة لمجرمي الحروب، فهذا لن يحقق لدولة الإرهاب »الإسرائيلية« الأمن، ولن تنعم بالاستقرار والسلام، طالما هناك أرض محتلة وشعب مقاوم.
مشيراً الي إنّ الضربة العسكرية الفجائية وغير المسبوقة، التي قام بها الاحتلال على أجهزة الاتصالات، التي أوْدت بحياة وجرح مئات الأفراد، وأطاحت بالقواعد والقوانين الدولية ذات الصلة بالحروب، وإنْ حققت لهم نشوة »النصر« لوقت قصير، فهم في نهاية الأمر سيُهزمون.