التقيت الكاتب الكبير أنيس منصور فى فيلا المهندس عثمان أحمد عثمان.. عقب عودتهما من لقاء الرئيس الراحل أنور السادات.. حيث تم وضع اللمسات الأخيرة لخطاب السادات التاريخى فى الكنيست الإسرائيلى.. وهو الخطاب الذى شارك فى كتابته ثلاثة من كبار عمالقة صاحبة الجلالة: مكرم محمد أحمد وأنيس منصور وموسى صبرى.. فوجئت بأنيس منصور يخرج من جيبه شوية قرنفل.. ويمنحنى واحدة.. وهو يقول هذه هدية لك.. ضعها بين أسنانك فهى أفضل علاج للثة والأسنان.. كما منح أيضاً المهندس عثمان أحمد عثمان واحدة.. وقال أنيس منصور إن القرنفل إدمان وانه لا يقل أهمية عن معجون الأسنان.. وهو يضعها فى فمه طوال الوقت.. وقال أنيس منصور إن القرنفل مضاد للفيروسات.. قلت لأنيس منصور.. أنا طالب منك مجموعة كتبك.. اعتدل فى جلسته وقال لى: مكتبتك لا تتسع لكتبى.. أنا كتبت 150 ما بين كتاب ومسرحية وكتب مترجمة وقصص.. قلت: مسرحيات!! قال: نعم لى ١١ مسرحية.. تعددت اللقاءات مع أنيس منصور فى مكتب الصديق اللواء رفعت مطاوع أمين عام مساعد مجلس الشورى.. الذى كان يفتح قلبه قبل مكتبه لكل من يقصده.. حتى أطلقوا على مكتبه دوار العمدة رفعت مطاوع.. نجح أنيس منصور فى استفزازى عندما قال إن مكتبتى لا تتسع لكتبه.. مما دفعنى لشراء مجموعة كتبه.. وجاء كتاب « عاشوا فى حياتى «.. عبارة عن سيرة ذاتية له.. يقول أنيس منصور فى مقدمة «عاشوا فى حياتى».. سؤال: هل تعرف فلانا؟ جواب: لا اعرفه.. لأننى قريب جداً منه.. ومن الصعب أن تعرف إنساناً جيداً إذا كنت تحبه.. فأنت تراه ولا تراه.. وإذا كنت تكرهه أيضاً.. فأنت لا تحب أن تراه.. فكيف تعرفه وأنت لا تراه.. وقد اسقطته من عينيك.. فالذى يحب كالذى يكره.. والقرد فى عين أمه غزال.. إذا احبته.. وفى عينيها قرد.. إذا كرهته.. وقد يكون أقرب الناس إليك.. ابعدهم عنك.. ويكون ابعدهم عنك.. أقربهم إليك.. ولمن لا يعرف.. فإن أنيس منصور حفظ القرآن الكريم كاملاً وهو فى السابعة.. وهو لا يعرف معنى كلمة واحدة منه.. كما حفظ البردة للبوصيرى.. فى كتاب القرية.. وقد قرأ أنيس منصور لكبار الكتاب.. لتوليستوى وديستوفيسكى وبروست وشيللى وبيراندللو وديكنز وبلزاك.. وعمره 12 سنة.. وهو يقول: كنت أقرأ واستمتع.. واحفظ الكثير من الشعر.. ويبدى إعجابه بالمتنبى.. ويصف العقاد بقوله: بإنه مهندس إلكترونى.. فهو بارع فى معرفة ملامح الشخصية ومفاتيحها.. وأيضاً أسرارها.. يقول أنيس منصور.. عندما التقيت الفنانة مارلين مونرو فى هوليوود.. بعد ساعة من الانتظار قالت لى: أزيك يا أنت ! فهى لا تعرف من أنا.. ولا من هو أى أحد.. فهى جميلة فقط.. ويوم انتحرت مارلين مونرو.. كتبت عنها وبكيت أيضاً.. فقد رأيت فيها نموذجاً معذباً بالعذاب الإنسانى.. كيف يكون الجمال نقمة.. ويوم تزوجها الأديب ارثر ميللر.. كرهت هذا الرجل.. ويوم ترجمت له مسرحية «بعد السقوط» التى بها صفحات عن مارلين مونرو.. ازددت كراهية له.. وقد قال الرئيس الجزائرى هوارى بومدين لأنيس منصور: لو اشتغلت بالسياسة؟ فرد قائلاً: يكون ماذا يا سيادة الرئيس.. فقال بومدين: تكون السياسة أدباً يقرؤه الناس.. ويقول أنيس منصور إنه فوجئ بعد ذلك بسنوات بالرئيس السادات يقول له: لو كنت فى السياسة.. فرد أنيس: يكون ماذا يا سيادة الرئيس؟ فأجاب السادات: تكون أكثر إيجابية فى عملك الوطنى.. يقول أنيس منصور: إن هذه العبارة ترددت وتخبطت فى رأسى مترنحة.. ذهاباً وإياباً.. ويقول أنيس منصور: تدحرجت إلى الكتابة السياسية.. ولست نادماً على ذلك.. لكنها ابعدتنى عن البيئة الصحية الصحيحة التى تناسبنى.. عن الأدب والفن والفلسفة.. أى الإنسان بعلاقته بنفسه وبالآخرين.. ويقول أنيس منصور: علمنى حب السفر.. متعة التنقل.. ولذة التغيير.. وجمال الحركة.. أتنقل خفيفا من مكان لمكان.. من كتاب لآخر.. ومن مفكر إلى أديب إلى موسيقار إلى كاهن إلى قسيس إلى شيخ إلى حاخام إلى إمام إلى بوذى.. وإذا كان أستاذنا أرسطو قد علمنا: ان الدهشة هى بداية المعرفة.. فأنا ما ازال فى مرحلة الدهشة.. فلا نهاية للمعرفة.. ويقول أنيس منصور: ادعى حرصى الشديد على أنى اعرف وأفهم.. وتقديرى العظيم لكل من حاول أن يقول جديداً.. والآدب والفن: أسلوب.. وأنت تساوى أسلوبك.. ويقول: أنا لا أرى إلا من خلال ثقب فى الباب.. هذا الثقب هو وجهة نظرى.. هو مجموعة مشاعرى: حبى وكرهى.. وما يتفق مع مزاجى.. وما يناسب القارئ.. وكان والد أنيس منصور.. يراجع معه كل يوم ما حفظه فى الكتاب من القرآن الكريم.. يقول: إن حياة أى إنسان هى كتبه.. هى القراءة وإن الحياة من غير كتب.. هى حياة بلا حياة.. وقد تمنيت أن ادفن وسط الكتب حيا.. يقول أنيس: إنه وهو طفل.. كانوا يستخرجونه من حت السرير وهو نائم وفى يده عدد من الكتب.. ويقول: لقد علمنى والدى إن اتلو آيات من القرآن كل ليلة.. واظل ارددها حتى أنام.. وأن الله سبحانه وتعالى يحول حروف الآيات إلى جنود تحرسنى.. وبالرغم من ذلك كنت أنام وفوقى غطاء ثقيل جداً يغطى جسدى ووجهى بالكامل.. حتى الآن.. فقد أصابتنى رعشة كل ليلة.. ليس لها علاج.. بسبب خوفى.. ولا استريح إلا عندما أنام إلى جوار والدتى.. وعشت حياتى كلها اخاف عند النوم من العفاريت.. ومن الإصابة بالزكام صيفاً وشتاءً.. وأنيس منصور.. تزوج بالعافية.. واشترط على زوجته عدم الإنجاب.. أطلق عليه «عدو المرأة».. وهو الأول فى جميع مراحل التعليم.. الأول على مصر فى الثانوية العامة.. والأول على كلية الآداب طوال الدراسة.. والأول على الجامعة.. وعمل أستاذاً للفلسفة بعد الدكتوراه.. لكن الصحافة خطفته.. ويبقى أنيس منصور ظاهرة تستحق الدراسة عاشق القراءة والكتابة والسفر وأيضاً القرنفل.