العالم يقف على أعتاب عام هجرى جديد..عام ليس كأى عام، فلم يعد هناك شيء يخفى على الأبصار ولا يصعب على الافهام ولا تحار العقول فى الوصول إلى حقيقته..كل شيء متاح ومستباح، لم تعد هناك حواجز أو حدود أو قيود.. المقدسات والحرمات على المحك.. تطاول إلى ابعد حدود.. أعداء الداخل لا يقلون شراسة وضراوة وإساءة أدب عن أعداء الخارج بعد أن جاوزوا كل حدود اللاخلاقى ومحاولات النيل من كل ما هو نبيل وجميل.
الكل يشعر بالغصة ولا أبالغ إذا قلت بالعجز ايضا مع أنه لو توفرت الإرادة لكان هناك شأن آخر ولتغير الحال إلى ما يسر قلب كل حاذق أريب..
تطل انوار الهجرة والعالم الإسلامى فى حالة من الضعف والشدة بالغة القسوة مع توالى وتصاعد التحديات والضغوط المضاعفة وسط عالم فقد عقله واهدر إنسانيته وبالغ فى الخضوع والاستسلام لأطماع بنى صهيون فاستباحوا كل شيء وداسوا على كل ما رفعوه من شعارات طوال عقود عن الحرية وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولى وحماية المقدسات والحفاظ على حرمة الأديان وحرية المعتقدات ومنع أى اعتداء وازدراء ..
والمفارقة القاتلة أنهم يفعلون ويصرون وهم يعلمون أنهم تجاوزوا كل الخطوط بكل الوانها الحمر والسمر لقد سحرتهم أعين الايباك واسرتهم وعود وأوهام الصهيونية القابعة على قمة الطغيان والانحلال السياسى الذى بدأ يجرف العالم نحو الهاوية السحيقة..
تهب نسائم عام هجرى جديد والمسلمون فى أشد الحاجة إلى الهجرة إلى الله ورسوله.. هجرة أصبحت ضرورة حياة وبوابة لأمل جديد وفتح لكل ما استغلق واستحكم من أمور الحياة والدين ايضا.
ولعل الفرصة سانحة مع الاستعداد للهجرة أن نستوعب ماحدث ونعيد قراءة المنهج النبوى والخطط العملية التى اتبعها للخروج من الازمات الخانقة التى كانت تحيط وتتربص بالدولة الجديدة وبالرسالة السامية .. ونعلم كيف واجه كل التحديات بالحكمة والتخطيط المتقن والتنظيم الدقيق لشئون المجتمع واستيعاب كل مكوناته فى المدينة المنورة وكيف استطاع إخماد نيران الفتن التى حاول مثيرو الشغب ومحترفو التهييج الشعبى والطائفى اللعب بها لضرب الأمن والاستقرار مع بداية الدولة الجديدة.. أتصور أن هناك كثيراً من الأمور بحاجة إلى إعادة استقراء واستنطاق حقيقى للكنوز التى تحتويها من جانب علماء وخبراء فى علوم السياسة ونظم الحكم والمجالس المحلية وغيرها وعلم الاجتماع والنفس وايضا خبراء الاتصال الجماهيرى وخبراء الاقتصاد والعلاقات الدولية وما شابه ذلك..
قد يظن البعض أن فى الأمر مبالغة .. والحقيقة لا لكنها محاولة لتصحيح أخطاء كثيرة وقعت وخطايا وحماقات تم ارتكابها بحق الفكر الاسلامى وقواعده وركائزه الأساسية التى ارساها ووضع أسسها النبى صلى الله عليه وسلم منذ فجر الدعوة والخطوات الاولى للرسالة .. ولو أن علماء الإسلام ومفكريه بذلوا جهودا فى تأصيل وتأطير وشرح النظرية الإسلامية فى شئون الحكم والسياسة وإقامة المجتمعات والارتقاء بالبنيان الحضرى مثلما فعلوا مع النظريات الغربية من أمثال ماركس وانجلز وفابيو وغيرهم.
وهى نظريات لم تصمد طويلاً رغم ما فعلوه بشأنها وما نصبوه من حفلات الزار للترويج لها ومحاولات فرضها بالقوة وايهام العالم بأنها طريق النجاة حتى فوجئ العالم بانه على حافة الهاوية وأنه لم يجن إلا الحسرة والندامة واضطر إلى البحث عن طريق ثالث للخروج من المآزق الخطيرة التى وقع فيها.. ولا يزال يكابر ويعاند.. ويخاف أن يقترب من الإسلام رغم أنه يحمل اطواق النجاة الحقيقية.. السؤال الآن:هل يستطيع العالم الإسلامى أن يعترف بحجم التحديات الحقيقية الماثلة أمامه الان ويقرأ الخريطة قراءة صحيحة هذه المرة خاصة وأن اوراق التوت قد سقطت عن الجميع وكشف الطوفان سوءاتهم ولا احد ينكر بل ويجاهر بعداوته ومواقفه المخزية المشينة وأنهم لا يعرفون الا مصالحهم فقط وليذهب غيرهم إلى الجحيم وأنه لا مجال للحديث عن مبادئ وقيم وأخلاق وما شابه ذلك..
فهل نحن قادرون لنثبت للعالم من نحن وكيف نكون؟!
الإجابة ببساطة: نعم نحن قادرون ولدينا من الإمكانيات والقدرات والإرادة ايضا لنفعل ونؤثر ونجبر الآخرين على احترامنا ورفع القبعة عن يد وهم صاغرون..
والله المستعان..