اليوم يتحقق حلم الملايين حول العالم فى زيارة المتحف المصرى الكبير.. خطوات قليلة تفصل بين الافتتاح التجريبى الذى بدأ صباح اليوم.. والافتتاح الرسمى الجارى الإعداد له.. ليكون افتتاحًا تاريخيًا.. يليق بهذه المناسبة الفريدة.. افتتاح ينتظره العالم.. ليتابعه من خلال الفضائيات العالمية.. فى حضور عالمى يضم رؤساء وملوك وأمراء العديد من دول العالم.. ومع الافتتاح التجريبى صباح اليوم تكون مصر قد أوفت بوعدها فى تقديم هدية جديدة إلى العالم.. ولتفتح باباً جديدًا للسياحة الثقافية التى تجذب ملايين السائحين من مختلف دول العالم.. وقد أنهت إدارة المتحف المصرى الكبير كافة الاستعدادات لاستقبال الزوار صباح اليوم ليسجل هذا اليوم فى التاريخ الإنساني.. حيث يعد المتحف المصرى الكبير والذى يقع على بعد كيلو متر فقط من أهرامات الجيزة، ويقام على 117 فداناً، أكبر متحف على مستوى العالم لحضارة واحدة تعرض أكثر من مائة ألف من القطع الأثرية، ويضم المتحف بين جنباته أماكن خاصة بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحف للأطفال، مركز تعليمي، قاعات عرض مؤقتة، سينما، مركز للمؤتمرات، وكذلك العديد من المناطق التجارية والتى تشمل محال تجارية، كافيتريات ومطاعم، بالإضافة إلى الحدائق والمتنزهات.
صباح أمس نظمت إدارة المتحف جولة للصحفيين والإعلاميين والفضائيات المصرية والعالمية والمراسلين الأجانب المعتمدين بمصر.. داخل المتحف للوقوف على آخر الاستعدادات.. لانطلاق التشغيل التجريبى للمتحف المصرى الكبير وقاعاته الـ 12 الرئيسية اليوم، حيث تحكى لنا القطع الأثرية تاريخ ما قبل الأسرات إلى العصر اليونانى الرومانى من خلال سيناريو عرض متحفى على أعلى مستوى يروى 3 موضوعات رئيسية عن الحضارة المصرية القديمة تشمل «الملكية» و»المجتمع» و»المعتقدات».
جولة بحديقة وساحة المتحف
جابت عدسات جريدة «الجمهورية» هذا الصرح الكبير لتحكى لقرائها عما به من كنوز، وتنقل آخر الاستعدادات قبل انطلاق التشغيل التجريبى للمتحف المصرى الكبير، ولتتعرفوا على المعروضات الفريدة والمجموعة الرائعة من القطع الأثرية المصرية القديمة، والتى ينتظرها محبو السياحة الثقافية حول العالم.
بدأت التجربة بالدخول عبر البوابات ومنه إلى ساحة المتحف الأمامية «حديقة المتحف» حيث اصطحبنا الدكتور عيسى زيدان المدير التنفيذى للترميم ونقل الآثار بالمتحف، فى بداية الجولة، متجهين إلى المسلة المعلقة والتى تخطف الأنظار مشيراً إلى أنه تم إنشاء أول ميدان لمسلة معلقة فى العالم بالمتحف المصرى الكبير، والتى تظهر براعة المصرى القديم فى تصميم ونحت الآثار القديمة، و»المسلة المعلقة» ابتكار جديد أتاح رؤية خرطوش الملك رمسيس الثانى الموجود أسفل قاعدة بدن المسلة الذى ظل بعيدًا عن الأنظار ما يقرب من 3500 عام تقريبًا ومن خلال هذا التصميم تمكن الزائرون من الدخول إلى قاعدة المسلة لكى يشاهدوا خرطوش الملك رمسيس الثانى فى بانوراما تخطف الأبصار.
وللمسلة قصة يرويها زيدان فقد تم إحضار المسلة من منطقة صان الحجر على عدة أجزاء، والتى تعود لعصر رمسيس الثانى وقام اللواء مهندس عاطف مفتاح المشرف العام على المتحف المصرى الكبير والمنطقة المحيطة به بمعاينتها فوجد أسفل بدن المسلة خرطوش للملك رمسيس الثانى فى غاية الروعة، وقام بمعاونة الأثريين بعدة نقاشات حتى توصلنا لتصميم علمى محكم وكانت فكرة اللواء عاطف مفتاح ليظهر هذا الخرطوش للنور بعد تلك السنين، وتكون بذلك أول مسلة معلقة، والتى يبلغ وزنها 110 أطنان، وقاعدة تزن 300 طن، بحيث تبقى معلقة فى مكانها، مع إحاطة القاعدة الرئيسية بخندق، بحيث لا تتأثر بأى عوامل خارجية مثل الزلازل، وتم تجميع وترميم المسلة لتصبح وحدة واحدة من خلال مرممى المتحف الكبير بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، لتصبح المسلة مرفوعة على أربع أعمدة محفور عليها اسم مصر بجميع لغات العالم ترحيبًا بالزائرين.
نوه عيسى إلى أن أهم مميزات المتحف المصرى الكبير حصوله على الشهادة الذهبية للبناء الأخضر والاستدامة وفقاً لنظام الهرم الأخضر المصرى موضحاً أن المتحف تبنى خلال الآونة الأخيرة إستراتيجية واضحة للتنمية المستدامة مما أهله للحصول على عدة شهادات وجوائز كمبنى أخضر صديق للبيئة.
تمثال رمسيس الثانى
وبعد ذلك انتقلنا إلى داخل بهو المتحف والذى يحرسه ويزينه تمثال الملك رمسيس الثانى والمصنوع من الجرانيت الوردى وطوله 11 مترًا، الذى تم نقله فى عام 2006 من ميدان رمسيس إلى منطقة الجيزة بميت رهينة ليتم بعد ذلك نقله فى يناير 2018 إلى موقعه الحالى بالبهو، والبهو يحتوى على نظام تهوية طبيعى فريد حيث توجد فتحات يتخللها الهواء تفصل الزائر عن الجو الخارجي، والبهو يقسم المتحف إلى نصفين جزء تجارى وآخر أثري، وتم العمل بهما على أكمل وجه، وتهيئة المتحف لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة تساعدهم على الصعود والتجول داخل المتحف بطريقة سهلة، ويتجه زوار المتحف بعد ذلك إلى إحدى الجهتين إما المنطقة الاقتصادية ويشمل الترفيه المحلات التجارية والبازارات والمطاعم أو إلى الجهة المقابلة وهى منطقة الدرج العظيم والذى يضم 72 تمثالاً لملوك مصر القديمة.
الدرج العظيم
أثناء الجولة فور الوصول إلى الدرج العظيم تجد إلى يمينك قاعة المراكب الملكية والتى سيتم افتتاحها مع الافتتاح الرسمى بصعود الدرج وطبقًا لسيناريو العرض المتحفى ينقسم إلى 4 موضوعات رئيسية، الأول وهو «الهيئة الملكية»، وذلك من خلال عرض مجموعة متميزة من تماثيل الملوك التى مرت بمراحل تطور وتغيرات عديدة شهدها الفن الملكى فى مصر القديمة، ومن أهم التماثيل المعروضة على الدرج العظيم فى الموضوع الأول «تمثال للملك سيتى الأول من الجرانيت الوردي، وللملك سنوسرت الثالث من عصر الدولة الوسطى وتمثال للملك سيتى الثانى مصنوع من الكوارتزيت، من عصر الدولة الحديثة، وللملك أمنحتب الثالث، وتمثال للملكة حتشبسوت، وتمثال للإمبراطور الرومانى كاراكالا من الجرانيت الأحمر».
أماكن العبادة
أما الثانى «أماكن العبادة» وهى كانت مسئولية الملك، من حيث بنائها وصيانة مرافقها وتجميلها، وقد خصصت المعابد الجنائزية للملوك بعد وفاتهم، وكان يعتبر كل معبد بمثابة السكن الخاص بالمعبودات، ومن أهم القطع المعروضة «عمودان وعتب من الجرانيت الأحمر للملك ساحورع من عصر الدولة القديمة، وتمثال على هيئة أبو الهول للملك أمنمحات الثالث، وبوابة الملك أمنمحات الأول، وعمودان وعتب للملك سوبك إم ساف الأول من عصر الدولة الوسطي، وناووس للملك سنوسرت الأول، ومسلة للملك مرنبتاح، وقمة مسلة للملكة حتشبسوت، وناووس للملك رمسيس الثاني، وناووس للملك نختنبو الثاني».
وتجد إلى يمين الطريق المتحرك متحف الطفل وهو لا يحتوى على قطع أثرية وإنما جولات وبرامج إرشادية وألعاب لتوعية الأطفال بأهمية الأثر والمحافظة عليه وسيستقبل أطفال المدارس بهدف زرع الثقافة الأثرية داخلهم وسيضم مستنسخات أثرية لتنمية الثقافة الأثرية داخل الأطفال، وتلك المستنسخات يستطيع أن يلمسها الطفل كونه يشعر بحاسة اللمس أكثر من حاسة النظر، كما يضم المتحف ورش عمل للحرف الأثرية القديمة، على مساحه 880 متراً مقسمة على 8 فصول.
الملوك والمعبودات
ويحكى الثالث عن «الملوك والمعبودات» حيث كانت هناك علاقة وطيدة فى مصر القديمة، بين كل من الملوك والمعبودات، وكانت تلك العلاقة قائمة على مبدأ تقسيم المسئوليات بين الملك والمعبودات، فالمعبودات تتعهد بكل ما يتعلق بشئون السماء والنيل والصحراء والعالم الآخر، أما الملك فقد كان حلقة الوصل بين المعبودات والبشر ومركز الوجود كله، باعتباره ممثلاً للمعبود على الأرض، وكان مسئولاً عن حكم مصر والحفاظ على أمن واستقرار الدولة وتأمين حدودها. وفى هذا القسم يتم عرض مجموعة متميزة من تماثيل المعبودات والتماثيل الزوجية وتماثيل للثالوث المقدس مثل «تمثال للمعبود بتاح من الحجر الرملي، وتمثال للملك سنوسرت الأول بالهيئة الأوزيرية، وتمثال للملك رمسيس الثانى فى حماية إحدى المعبودات.
ويعبر الرابع عن «الرحلة إلى الحياة الأبدية» إذ يعتبر الموت عند قدماء المصريين بمثابة بوابة المرور إلى العالم الآخر، حيث البعث والحياة الأبدية، لذا اهتم الملوك فى مصر القديمة بالحفاظ على أجسادهم بعد الوفاة، وتم دفنهم إما فى الأهرامات أو المقابر الملكية، وفى هذا القسم يتم عرض مجموعة من التوابيت الملكية ومنهم «تابوت الملكة مِرس عنخ الثالثة من عصر الدولة القديمة، وتابوت الأمير خوفو جِدف، وتابوت الأميرة نيتوكريس، وتابوت جحوتى مِس، وتابوت حو سا إيست الأول، وتابوت تحتمس الأول، لتنتهى رحلة صعود الدرج العظيم برؤية الأهرامات الثلاثة من خلال نافذة ضخمة وكأنها داخل فاترينة عرض خاصة بالمتحف المصرى الكبير مما يؤكد على عظمة الإبداع المصرى خلال العصر الحديث فى مشهد بانورامى جميل.
قاعات العرض
إلى أن تجد على يمينك قاعة الملك الشاب «توت عنخ أمون» بكامل القطع عدا المعروض منها بالمتحف المصرى بالتحرير لحين الإعلان عن الافتتاح الرسمى، وإلى اليسار قاعات العرض الرئيسية التى يبلغ عددها 12 قاعة وحجمها حوالى 6 أفدنة والتى تضم إلى الآن 15 ألف قطعة أثرية تشمل «الملكية» و»المجتمع» و»المعتقدات»، وتعرض القاعات 1، 2، 3 مقتنيات وتماثيل عصور ما قبل التاريخ وعصور ما قبل الأسرات بالإضافة لعصور بداية الأسرات والدولة القديمة وعصر الانتقال الأول، أما القاعات 4، 5، 6 بتحكى عصر الدول الوسطى (عصر الانتقال الثاني)، وتروى قاعات 7، 8، 9 تاريخ عصر الدولة الحديثة، والقاعات 10، 11، 12 تروى عصر الانتقال الثالث، العصر المتأخر، العصران اليونانى والروماني.
وجميع الأعمال بقاعات العرض الرئيسية بالمتحف منتهية بالكامل وجاهزة بنسبة 100 ٪ فيما يتعلق بعرض القطع الأثرية داخل فتارين العرض، حيث تضم القاعات القطع الأثرية لعصر ما قبل الأسرات إلى العصر اليونانى الرومانى وطبقًا لسيناريو عرض متحفى على أعلى مستوى يروى 3 موضوعات رئيسية عن الحضارة المصرية القديمة تشمل «الملكية» و»المجتمع» و»المعتقدات».
كما تم تجهيز الإضاءة والتحكم البيئى داخل القاعات على أعلى مستوي، سواء فيما يتعلق بدرجات الحرارة أو الرطوبة أو الإضاءة وذلك للحفاظ على القطع الأثرية وإبراز جمالها وعظمتها وعبقرية تصميمها، مما يجعل زيارة تلك القاعات تجربة فريدة وشيقة وتشعر الزائر بعظمة ورهبة الحضارة المصرية القديمة.
مجمع ثقافى سياحى
خلال الجولة أكد الدكتور الطيب عباس مساعد وزير السياحة والآثار لشئون الأثرية بالمتحف المصرى الكبير قائلاً إن المتحف المصرى الكبير صمم ليكون مجمعاً ثقافياً سياحياً ترفيهياً ومركزاً للبحث العلمى ليكون قبلة للباحثين الأثريين من كافة انحاء العالم، يضم مخازن ومركزاً لصيانة وترميم الآثار بالإضافة إلى مساحات واسعة تشمل عدداً من الفرص الاستثمارية الواعدة والمتمثلة فى مركز للمؤتمرات، سينما حديثة، عدداً من المحال التجارية مطاعم والكافتريات والساحات المكشوفة التى تصلح لإقامة الفعاليات الثقافية والترفيهية على خلفية بانوراما الأهرامات.
أكد الدكتور الطيب أن واجهة المتحف تم تنفيذها وبخامات مصرية وبأياد مصرية تؤكد للعالم أن الأحفاد يسيرون على خطى الأجداد، تم كسوة الواجهة بالرخام المصرى المستخرج من محاجر سيناء، وهو الذى استخدمه المصرى القديم فى نحت التماثيل والعناصر المعمارية بالمعابد كما تشتمل الواجهة على أجناب المدخل الرئيس والتى تتشكل من خراطيش ملوك مصر العظام لترحب بزواره وتتضمن الواجهة خراطيش حوالى 25 اسما للملوك، من ملوك الدولة القديمة الأسرة الرابعة خرطوش الملك خوفو والملك خع اف رع والملك منكاورع والملك سنفرو ومن ملوك الدولة الوسطى الأسرة الثانية عشرة خرطوش الملك سنوسرت وخرطوش الملك امنمحات ومن ملوك الدولة الحديثة خرطوش الملك أحمس والملك أمنحوتب الثانى والملك إخناتون والملك توت عنخ آمون والملك رمسيس الثاني.