كنت قد فرغت للتو من التصوير داخل أحد المشروعات الصناعية الضخمة وسط العمال والمهندسين وخرجت مسرعا حتى ألحق بمؤتمر فى إحدى الجامعات، نبهنى أحد الزملاء إلى أننى أحتاج قبل حضور المؤتمر إعادة هندام لملابسى وتصفيف ما تبقى من شعرى والأهم هو ضرورة تلميع حذائى من أثر سيرى وسط المواد الخام، قلت أبدأ بالأهم وهو تلميع وتنظيف الحذاء، وعند أول ماسح أحذية توقفت وبعد التحية خلعت حذائى وجلست قبالة الرجل الذى بادرنى بسؤال عن الوضع فى غزة وتطور الأوضاع على محور فلاديلفيا ومستقبل عملية السلام فى الشرق الأوسط فقلت له بشكل مختصر الوضع معقد والدولة المصرية تحاول الوصول الى هدنة ثم يتطور الأمر للوصول إلى حل، كنت فى قمة الاستعجال والرجل لم يبدأ عمله بعد لكنه استمر فى إلقاء الاسئلة حيث قال وماذا عن الوضع فى روسيا وأوكرانيا؟ قلت له يبدو أن الحرب ستطول، ثم انتقل الى ملف رأس الحكمة والاستثمار الأجنبى وسعر الدولار والأسعار، فقلت له أنا سعيد بالحوار. معك لكنى مرتبط بموعد فى الجامعة استأذنك فى سرعة إنجاز مهمتك فى مسح الحذاء، قال حالا يا أستاذ أنا خبرة سنوات وأفضل من يعيد الحذاء إلى « ضبط المصنع » ضحكنا وبدأ يضع الورنيش على الحذاء وانا انظر اليه واتمنى لو يتركنى امسحه بنفسى كما أفعل مع أحذيتى وأحذية كل أفراد الأسرة فى المنزل، باغتنى بسؤال عن الاكتفاء الذاتى من القمح وما ينبغى على وزير الزراعة القيام به، ولم اعلق إلا بكلمة واحدة وهي
« صحيح » معاك حق، ثم قال والإعلام كمان يحب ان يتكلم عن الأسعار والناس اللى تعبانة وكفاية عليكم مدح فى الحكومة، قلت له بالعكس احنا بنتكلم على الأسعار والريس بنفسه بيتابع هذا الموضوع والأسعار بدأت تنخفض والحمد لله، قال طب ايه موضوع الذكاء الاصطناعى اللى ممكن يقلب الدنيا؟ قلت له أرجوك أنا فعلا مستعجل واتأخرت جدا، فمد يده وأمسك بفوطة متسخة بالورنيش وبيده يمينا مرتين ويسارا مرتين وقال أتفضل، نظرت لحذائى وهو كما هو دون تنظيف ودون تلميع وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، وقبل ان امنحه أجره قال خد بالك منى ياباشا وبلاش تزعلنى احنا غلابة، أعطيته عشرة أضعاف حقه وانتظرت ان ارى ابتسامته او امتنانه فلم أجد وغادرت سريعا وانا أغلق باب السيارة فتحت نافذتها لأحييه فسمعته يقول حسبى الله ونعم الوكيل!! فنظرت إليه مندهشا فقال احنا غلابة يا بيه !! فأعطيته مجددا – بسيف الحياء – مبلغا مماثلا وقلت له « بس ياريت يا أخى تعمل شغلك كويس وتركز فيه، أضفت « انت بتفهم فى كل حاجة وبتتكلم احسن منى لكنك لا تفهم ولا تجيد ولا تتقن عملك الأصلى فحذائى ما زال متسخا!!