قال سقراط يوماً «اعرف نفسك».. ولكى تعرف نفسك جيداً، فلا بد أن تعى أن الدين هو البُعد الأساسى للإنسان لكى تعرف نفسك.. ولا بد أن تعى القانون الأخلاقى فى داخلك.. لكى تعرف البُعد الإنساني، ومن هنا تستطيع أن تعرف نفسك.. وبالطبع يرى الكثيرون أو يفسر الكثيرون هذا الكلام باعتباره رؤية فلسفية والواقع أنه تعبير منطقى عن الانسان وما يدور داخله، فلكى تعرف نفسك جيداً، لابد أن تبحث عن البعد الأساسى فى داخلك وهو الدين، ثم تحدد لنفسك قاعدة أساسية للحياة المثالية وهو ما تعبر عنه باسم الأخلاق، ولأن التجربة هى التى تسجل لنا ما هو كائن ولا تبحث عما يجب أن يكون.. والفعل الذى يقوم به الانسان ويكون أساساً للتجربة لا يكون أخلاقياً، إلا إذا كان نابعاً عن إرادة حرة، أى صادرة عن إرادة مستقلة لا تخضع لإرادة خارجية ونابعة من المثالية التى نضعها نظاماً لحياتنا.
قد يسأل سائل: ماذا تريد أن تقول؟!، وما الهدف الرئيسى لهذه المقدمة الطويلة؟!
أقول إن الإنسان- أى إنسان- فى كل زمان ومكان خلقه الله سبحانه وتعالى فى أحسن تقويم.. لكنه أيضا- أى الانسان- كان جهولاً، وكان أكثر شيء جدلاً وكان ضعيفاً.. لذلك فإن دراسة نفسك ومتابعة حالك تحتاج إلى طريق واضح تحدده الأخلاق، وتعاليم الدين الإلهي، لأن الله هو خالقك، لذا فإنه يعلم الإنسان جيداً «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».
والإنسان- أى إنسان- يعيش فى نعمة من الله وعطاء الله للإنسانية عطاء كبير، ولكن مع تطور البشرية وتصرفات البشر عبر الزمان يحدث تغيير فى الانسان بعضه بإرادته والآخر بلا إرادة من الانسان نفسه، وهو ما يفسر حال الانسانية الآن.
كما يقول الصديق الزميل بسام عبدالسميع فى كتابه «خطيئة العمر»، فإنه قد ضاعت السنوات بين صواب هذا وخطأ ذلك، فأفضينا رحلتنا الزمنية بين إشادة ونقمة، وجاء الاغتيال من الثقة المفرطة فى الآخرين جماعات وأفراداً، فضاع الجميع مع اعتقاد البعض الفوز بالبقاء.. والحقيقة، أنه لا بقاء لأحد فى هذا الكون إلا مالكه وخالقه الواحد الأحد سبحانه وتعالي.. فكلها لحظات يحسبها البعض سنوات وعقوداً، لكنها فى النهاية لحظات وينتهى الأمر.
ولا شك أن الكذب والخداع والتضليل- أفراداً وشعوباً- كان سلوك الأغلبية منا وادعى الكثيرون أنهم الضحية وادعوا المظلومية.. ولا شك أن أفعالنا هى التى تسطر أقدارنا.. ولكننا نهرب من تلك الحقيقة.
إذا تابعت أحوال الشعوب والدول التى أصبحت مغلوبة على أمرها، وإذا تابعت أحوال البشر، خاصة فى دولنا وما حولنا، لتأكدت أننا فى حاجة ماسة إلى نصيحة سقراط التى بدأنا بها الحديث وهى اعرف نفسك فعندما تحاول أن تعرف نفسك وتنجح فى ذلك حتى ولو بنسبة ما، ساعتها ستعرف أين مقامك وستعرف هل أنت موجود أم لا.. فكم من موتى رحلوا عنا وهم مازالوا بيننا وموجودون داخلنا وحولنا.. وكم من أحياء يتنفسون ويأكلون ويشربون، بل ويتحدثون.. وهم بلا وجود حقيقي.
لعل أهم ما نعانيه فى حياتنا هى الحركة.. والحركة نوعان، حركة الأقدام والأجساد والتحرك هنا وهناك، والحركة بالفكر والرؤية والوعي.. فإذا كنت تتحرك، فأنت موجود.. وإذا فقدت القدرة على الحركة، فثق أنك ليس لك وجود.
قد تعانى عدم الحركة لمرض أو لقيد كالسجن، فتظل حبيساً للمرض أو القيد.. وبعد فترة ستشعر بأنك لست موجوداً.. قد لا تستطيع اتخاذ قرار فى أمر مهم أو الرد على موقف أو التفكير باقتدار فى المواقف الصعبة وهو ما يمكن اعتباره عدم القدرة على الحركة الفكرية والتفكير.. ساعتها ستشعر أيضا أنك غير موجود.
هناك فارق كبير بين العجز والعجز «بسكون الجيم وفتحها»، فالإنسان العجوز قد يكون أحياناً أكثر قدرة وجدارة على الحركة من شباب صغير وأن يكون مالكاً لمملكة العطاء والحركة باقتدار.. وفى المقابل قد يكون شاباً صغيراً وغير قادر على اتخاذ قرار أو العطاء أو تحقيق ما يتمناه، فيشعر بالعجز وعدم القدرة على الحركة.. وساعتها سيشعر أنه غير موجود وبلا قدرة على الوجود.
الشعوب أيضا قد تكون غير قادرة على الحركة ويصيبها الشلل لأسباب مختلفة، فنعتبرها غير موجودة.. وكم من شعوب أصابها هذا القدر الغريب، فتشعر بأنها شعوب على الهامش أو غير موجودة.
تطور خطير فى ملاعبنا
ملاعب الكرة، يمكن أن نعتبرها ترمومتر الحياة.. فما يحدث فى الملاعب هو شكل مبسط وتوضيحى لظروف الحياة التى نعيشها.. وللأسف، فإن الملاعب تقدم لنا كل يوم ما هو جديد ومؤسف ويؤكد حالة المجتمع وتردى الوعى وتراجع الإحساس بالمسئولية.
منذ عدة أيام، شهدت الملاعب حادثاً مؤسفاً يعبر عن تراجع الوعى والأدب والأخلاق فى المجتمع وليس الملاعب وحدها.. لاعب فى فريق المنصورة الذى كان يواجه المقاولون فى دورى المحترفين، قرر المدرب استبداله بلاعب آخر وهذا حدث طبيعى فى كل الملاعب وحدث لأكثر النجوم المحترفين فى ملاعب الكرة المحلية والعالمية، وعندما استعد اللاعب للخروج، خرجت منه ألفاظ نابية استدعت تدخل أحد أعضاء الجهاز الفنى لفريقه، وبينما كان اللاعب متوجهاً لخارج الملعب، فوجئ الجميع باللاعب يهرب من عضو الجهاز ويتجه مسرعاً نحو مدربه ليعتدى عليه ويضربه، لولا تدخل الجهاز المعاون!!
اللاعب يريد ضرب مدربه.. والحدث المؤسف يذاع على الهواء وينتشر انتشار النار فى الهشيم، والكل يتفرج.. ما هذا الذى يحدث يا سادة؟!
إنه حالة اجتماعية تم اختزالها فى لاعب ومدرب وملعب قد نشاهدها فى المصنع والمزرعة والمدرسة والجامعة.. وفى الشارع والمقهي، وفى أى مكان.
إنه جرس إنذار جديد يعلن للجميع أن الوعى والأخلاق والمجتمع فى خطر.. استقيموا يرحمكم الله.. وعلى كل مهتم بوعى المجتمع التدخل وبسرعة قبل فوات الأوان.