لم يكشف مسلسل الحشاشين خبايا واسرار أخطر جماعة متطرفة ظهرت فى الدولة الإسلامية فحسب بل كشف النقاب وفتح الأبواب والنوافذ وربما القلوب والعقول على العديد من القضايا التى كانت منسية ومسكوتاً عنها
، فالتاريخ كائن حى تتكرر احداثه بسياقات مختلفة فى أزمنة مغايرة بشخوص مختلفين لكن تبقى الأفكار والمعتقدات ماثلة أمامنا جميعا ولا نقوى على اعادة قراءتها بمفاهيم جديدة ، على كل فإن المسلسل الذى كتبه المبدع عبدالرحيم كمال وأنتجته الشركة المتحدة كان بمثابة حجر ألقى فى المياه الراكدة فحركها بقوة ، تناول البعض المسلسل بالتقييم والنقد مبكرا وقبل انطلاق مسارات احداثه ، كانت معظم ملاحظات هؤلاء شكلية ولها طابع الهشاشة الفنية ، فقالوا ان السيناريو لم يلتزم حرفيا بالأحداث التاريخية لكن الكاتب قصد الى الإضافة والحذف وفق سردية خاصة بأحداث درامية تختلف عن سياق الأحداث الموثقة ، وانتهوا الى تحذير مما أسموه العبث بالثوابت التاريخية! ، وقال البعض الآخر ان عرض المسلسل وتقديمه باللغة العامية المصرية وليس باللغة العربية الفصحى خطأ فى حق اللغة وتمييع لمفرداتها ورصانتها! وقالوا ما أراه خطأ يحتمل الصواب وهنا أعرض وأقول رأيى الذى أراه صوابا يحتمل الخطأ ، اولا فيما يخص السيناريو وتوافق احداثه وتطابقها الحرفى مع احداث التاريخ فهذا غير وارد فى اى عمل فنى «من وحى التاريخ» وليس تأريخا بالمعنى العلمى ، فالأحداث وتفاصيلها تدور حوّل عناوين كبيرة وافكار عريضة وهذا ما حافظ عليه الكاتب تماما ، وجود الدولة العباسية الضعيفة وقوة السلاجقة وظهور حسن الصباح وتكوينه للفرقة الإسماعيلية الباطنية «جماعة الحشاشين» وكذلك الصراعات الدولية المحيطة بالدولة الإسلامية وصورة لما يدور داخل اروقة القصور والملوك والسلاطين ، كلها احداث حقيقية وفق تفاصيل عديدة من حق الكاتب ان يضعها فى اطر درامية جذابة ومشوقة طالما الفكرة الأساسية حاضرة وهذا ما حدث بالفعل ، ثانيا فيما يخص اللغة المصرية العامية فهذا من محاسن العمل العظيمة ، فرغم عشقى للغة الفصحى تحدثا وقراءة وسماعا إلا أننى من المؤيدين لفكرة «توسيع دائرة المعرفة» فالمسلسل مصرى واللهجة المصرية معروفة ومفهومة لجميع الناطقين بالعربية ، فالأفلام والمسلسلات والأغنيات والمسرحيات المصرية طافت المعمورة بنفس اللهجة العامية وبلغت الآفاق ، فلماذا لا يتم تقديم أعمال تاريخيّة ودينية بنفس اللغة التى سادت ووصلت وأثرت؟ بيد ان اللغة العامية المنضبطة التى قُدم بها المسلسل جعلته يصل إلى فئات جديدة من المشاهدين لم يكن بمقدورهم الاستمتاع والمتابعة او كانت اللغة فصيحة كما هو متبع ، المسلسل كسر تابوهات عديدة وفجر الكثير من القضايا وهذا يحسب للمسلسل والقائمين عليه ، بقيت كلمة ، هل بعض المثقفين والنخبة تعانى من انانية ثقافية وغرور معرفى حتى يهاجموا استخدام اللغة العامية المنضبطة خوفا من شيوع وانتشار المعرفة على اكبر نطاق؟ هل يخشى البعض من وعى المجتمع؟ وهل اللغة العامية المصرية لا تستحق الحفاوة فى كل حالتها؟ أؤكد أننى اعشق الفصحى لكننى أحتاج الى العامية .