قصة لا تشبه سواها.. بطلتها سيدة صغيرة فى العمر، لم تنجب، لكن كتب الله لها أن تشعر بلحظة الأمومة بطريقة لا تخطر على بال بشر.
فى أحد أحياء القاهرة الشعبية، كانت (عبير) فى طريقها إلى عملها، تعمل فى وظيفة بسيطة كعاملة «بوفية» بإحدى المؤسسات، رغم معاناتها من ضعف شديد فى البصر ومرض فى الشبكية، ورغم تعب الجسد والعين، إلا أن قلبها ظلّ ينبض بالأمل، حتى لو خذلها الواقع.
تقول، بصوت ممزوج بالألم والدهشة: «ربنا ما أراد لى الإنجاب، وده كان سبب إن زوجى الأول يتركني. وبعدها، تزوجت رجلًا يكبرنى بسنوات كثيرة، وكان حنوناً ورضى بي، ورضيت به.»
ورغم رضاها بما قسمه الله، ظل فى قلبها فراغ لا يملؤه أحد.. حتى جاء اليوم الذى غيّر حياتها.
فى صباح عادي، وأثناء ذهابها للعمل، لمحت جسدًا صغيرًا فى لفافة قماش، قرب حافة الرصيف، اقتربت، فإذا بطفل حديث الولادة، لا يتعدى عمره يومًا أو يومين، تُرك وحده فى الشارع، لا سند ولا غطاء ولا حتى حليب.
تجمدت فى مكانها، ثم حملته بذراعين ارتجفتا من الصدمة والحنان معًا، وتقول:
«قلبى دق بطريقة ما عمره دق قبل كده.. حسيت إنى أخيرًا بقيت أم».
تحركت بها غريزة الأمومة، ولكن بعقل المسؤولة، فتوجّهت فورًا إلى دار الإفتاء لعرض الأمر، وأوضحت حالتها وزوجها، وأنهما لا يملكان من حطام الدنيا شيئًا، فقط قلب يتسع لهذا الملاك الصغير.
بعد دراسة حالتها، تمت الموافقة على حضانة الطفل، لتصبح بذلك «أمًا من رحم الشارع»، أمًا بالإرادة والرحمة.
لكن التحديات لم تنتهِ هنا، فثمن اللبن الصناعى وحده كان كافيًا ليُرهق ميزانيتها الضعيفة، ومع كل زجاجة لبن كانت تشتريها، كانت تتنازل عن حاجتها للطعام والدواء.
ومن هنا، توجهت إلى «الجمهورية معاك»، تحمل قصتها ودموعها، وتطرق بابًا لا يُغلق فى وجه من يحتاج.
وبالفعل، كان لندائها صدى واسعاً، وتعاطف القراء الخيرون من كل مكان، وتدفقت رسائل المحبة والدعم، حتى تبرع أحد الخيرين بتوفير اللبن الصناعى للطفل لمدة عام كامل.
تقول وهى تحتضن طفلها:
«أنا ما صدقتش اللى حصل.. أول مرة أحس إن حد بيشيل معايا، أنا بشكر كل واحد اتبرع وكل اللى سمع قصتى ودعمها، وربنا يخلى الجريدة اللى كانت سندي».