نواصل فى هذا الملف رصد النقلة النوعية التى حققتها المرأة المصرية على مدار أكثر من مائة عام، ففى كثير من القضايا استطاعت المرأة ان تنجح فى تحقيق مساواتها بالرجل فى الحقوق والواجبات.. وبقدر ما اهتمت الدولة المصرية الآن بدورها وما تقدمه من عطاء ومشاركة فيما يتعلق بها من قرارات وتشريعات ومبادرات، فقد نجحت المرأة المصرية فى مغادرة عصور التهميش والإهمال واستطاعت أن تتولى أدواراً ومناصب تتقدم بها الصفوف.
لقد قامت الدولة بدعم المرأة وتمكينها اجتماعيا واقتصاديا مع إزالة جميع العقبات وتقديم التسهيلات اللازمة التى تساعدها على المشاركة العادلة وكان هناك دور كبير لرائدات مصريات تغلبن على كل العقبات فى طريقهن .. رائدات نسائيات منذ سنوات طويلة كان لهن الدور الأعظم فى حصول المرأة على حقوقها.
ونقدم اليوم إحدى عظيمات مصر ودورها الرائد فى تحقيق العدالة للمرأة، إنها أمينة السعيد بقلمها التى نقلت المرأة للتمكين.
وكان اسم «أمينة السعيد» مثيراً للاعجاب فى كثير من الأوساط، طوال مسيرتها الصحفية، حيث ناضلت لكى تحصل المرأة على حقوقها، وتحرر من أى نوع من أنواع العنف سواء المعنوى أو البدني.. وإلى التفاصيل:
هى «زرقاء اليمامة» أمينة السعيد، وهى رائدة صحفية قادت الكثير من المعارك فى مواجهة الأفكار الرجعية، وهناك تاريخان لمولدها الأول فى عام 1919م فى أسيوط ولكن الأقرب إلى الدقة أنها ولدت فى 1914 بالقاهرة وليس بأسيوط. وقد ذكرت الكثير من تفاصيل حياتها فى غير برنامج إذاعى ومنها ما قالته فى إذاعة صوت العرب عن والدها وهو من محافظة الدقهلية وكلمته كانت واحدة وكان مستنير السلوك. وقالت رواية غريبة عنه وهو على فراش الموت حيث جمع بناته وطلب منهن أن يقسمن أمامه أنهن لن يتزوجن الا بعد إتمام التعليم الجامعى مهما كانت الظروف، وحفظت البنات هذا العهد كن خمسا من البنات عزيزة وكريمة أرسلهما الوالد إلى إنجلترا للدراسة هناك وأدخل أمينة وعظيمة المدارس بالقاهرة ليتعلما باللغة الإنجليزية أما فاطمة فقد اختارها الله إلى جواره فى فترة باكرة.
كان والد الدكتورة أمينة السعيد من الاطباء المشهورين فى أسيوط.. وتميز بالأخلاق والعلم والوطنية.. اندفع يؤيد ثورة 1919 م يدعو وينظم ويحرك ويقود. هذا الوالد الوطنى المستنير المحبوب من عارفيه شجع ابنته أمينة على أن تدخل الجامعة، أما أمها فقد أصيبت بأزمة قلبية بعد أن عرفت أن ابنتها تخالط فى هذا المجال الرجال من أساتذة وزملاء، وأنها أيضا تكتب قصصا اجتماعية وتذهب مع زميلها فى الجامعة مصطفى أمين إلى مجلة «آخر ساعة» لتنشر محاولاتها فى كتابة القصص الاجتماعية، وأنها تذهب مع زميلها محمد فتحى الذى اشتهر فيما بعد بأنه كروان الإذاعة، تذهب إلى دار الإذاعة لتجرب حظها مع الهواة فى لقطة أو لقطتين. الوالد ابن الدقهلية كان يسمح بالاختلاط – تحت الرقابة – والوالدة الجميلة ابنة القاهرة لا تسمح بشيء من هذا. والداهية الكبرى عندما سمعت صوت ابنتها فى الإذاعة تلقى بعض قصصها. يا عيب الشوم! ومن أجمل ما كتبته أمينة السعيد ما كتبته عن أبيها بفخر وإعجاب عن هذا الوالد الحمش المستنير أيضا.. تقول عن نفسها إنها كانت شقية تريد أن تفعل كل ما يفعله الأولاد تجرى وتتنطط وما عيب إلا العيب. رأت الاولاد فى أسيوط يلعبون الكرة الشراب وسألت ولدا منهم عن مصدر هذه الكرة العجيبة فقال لها: «هاتى شراب وسأصنعه كرة».. كانت صغيرة فأخذت جورب والدها الذى حوله الولد إلى كرتين. وفجأة سأل الوالد الذى تحول جوربه إلى كرتين. وفوجئت بالوالد يبتسم، وفوجئت به أكثر وهو يعود إلى البيت ومعه كرتان.. واحدة لها وأخرى للولد الذى حول جوربه إلى كرة.
كانوا ينقلون عنها اعتزازها بأسيوط وبالفترة التى عاشتها هناك طفلة وحبيبة إلى أن أخذها والدها إلى مدينة القاهرة وأدخلها مدرسة فى شبرا كان التعليم بها باللغة الإنجليزية.
وجاء أوان الالتحاق بالجامعة. الوالد متحمس للفكرة وحريص على ألا تتزوج بناته إلا بعد التخرج فى الجامعة. وتمت خطبة أمينة إلى شاب خطواته سريعة إلى سلك التدريس بكلية الزراعة ولكن عليه أن ينتظر سنوات أربعا إلى أن تتخرج أمينة فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول حسب تعليمات السيد الوالد. والتحقت أمينة السعيد بالجامعة، وكانت أول من شجع البنات المصريات على ممارسة الألعاب الرياضية. وارتدت الشورت وهى تلعب التنس فى ساحة الجامعة وخلعت غطاء الرأس وإذا كانت قد سعدت بوالدها فقد سعدت أيضاً بخطيبها والذى أصبح زوجها بعد تخرجها فى الجامعة الدكتور عبد الله عضو هيئة التدريس بكلية الزراعة.. متفتح مستنير حافظ على عهد أمينة لوالدها وظلا مخطوبين لاربع سنوات حتى انتهت من دراستها الجامعية.. حريص على تعليمها وعملها. كان يقوم بتوصيلها إلى الجامعة أو إلى مجلة آخر ساعة وإلى الإذاعة، ثم يعود بها بعد الانتهاء من مشاويرها. وبعد الزواج كان يناديها دائما بـ «أمينة هانم». ويبدو أن زوجها كان نسخة كربونية من والدها.. الحزم مع الاولاد.. القدوة والإرشاد لا ضرب ولا قسوة. فنجح الأولاد واحتلوا المناصب المرموقة.
وخلال فترة الدراسة كان زميلها فى الجامعة مصطفى أمين قد قدمها إلى محمد التابعى الصحفى المعروف وقت ذلك، فقدمت له بعض القصص الاجتماعية، وقدمها زميلها محمد فتحى إلى الإذاعة لتعمل بالقطعة تترجم بعض القصص عن الإنجليزية وتلقيها بصوتها فى الميكروفون. وهكذا فتح لها مصطفى أمين أبواب الصحافة وفتح لها محمد فتحى أبواب الإذاعة وفتح الله لها أبواب الزواج وتخرجت وجاء دور العمل الصحفى والارتباط به.. ووجدت فرصتها فى دار الهلال وهنا تشهد أمينة لصاحبى دار الهلال إميل وجورجى زيدان بالحرص على تولى أمورها ورعايتها وحراستها وتشجعيها وعلى حد قولها على حمايتها من الرجال الذين حسبوا أنها لقمة سائغة لهم، وفى مجلة المصور بدأت بباب «سألوني» الذى لازمها وعرفت به وترد على أسئلة القراء وأصبحت أول كاتبة بعد «باحثة البادية» تهتم بالشئون الاجتماعية اهتماماً شخصيا متصلا بالحياة العامة. وهكذا دخلت أمينة السعيد الصحافة من باب «سألوني» وترأست تحرير مجلة «حواء» ومجلة «المصور» ورأست مجلس إدارة «دار الهلال». وأصبحت وكيلة نقابة الصحفيين عضوا بالمجلس الأعلى للصحافة. وبعد الإحالة إلى المعاش أصبحت مستشارة لدار الهلال وعضوا بالمجالس القومية المتخصصة وعضوا بمجلس الشورى لدورتين.
كانت أمينة السعيد تنفر من التعصب والخلافات الدينية والعرقية، وتبدى هذا فى كتاباتها. ومن الكتب التى صدرت لها كتاب «وحى العزلة» و»أوراق الخريف».
لم ترفع «أمينة السعيد» من شأن المرأة المصرية خلال كتاباتها فقط، بل من خلال تولى العديد من المناصب المهمة، التى كانت معظمها تعود السابقة الأولى فى تاريخ مصر لتولى امرأة لها، ففى عام 1954 كانت هى أول رئيسة تحرير مصرية، عندما تولت رئاسة تحرير مجلة حواء، وكانت أول صحفية تزور أمريكا، والاتحاد السوفيتي، كما كانت أول امرأة مصرية تنتخب كعضو فى مجلس نقابة الصحفيين، وأول امرأة مصرية تتولى وكالة نقابة الصحفيين فى عام 1959، واستمرت فى التدرج فى العديد من المناصب حتى توفيت فى عام1995.
وبملامح جادة وألفاظ واضحة صريحة تخاطب من يُحادثها، فهى تقول ما تؤمن به ولا تسعى إلى إرضاء أحد وفى الوقت نفسه لا تُغضب أحدا منها، شخصيتها الذكية ساعدتها لتصبح أول صحفية فى تاريخ الصحافة المصرية دون أن تملك جريدة أو مجلة، وهى أيضاً أول امرأة تلتحق بالتعليم الجامعي، أول رئيس تحرير لمجلة حواء، رائدة ثورية ومن رائدات الحركة النسائية المصرية.
تناولت أمينة السعيد فى كتاباتها بمجلة حواء موضوعات أكبر وأهم من نصائح الجمال ووصفات الطهى التى اعتادت الكتابات النسائية تناولها وحتى بعد أن تركت منصبها كرئيسة للتحرير ظلت تكتب عمودا ثابتا بها حتى وفاتها وكان دفاع أمينة السعيد عن المساواة بين الرجل والمرأة هو وقود كتاباتها القيمة لسنوات طويلة تغير فيها تاريخ مصر وفضلا عن ذلك كانت أول سيدة مصرية تنتخب عضواً فى مجلس نقابة الصحفيين وأول سيدة تتولى منصب وكيل نقابة الصحفيين فى عام 1959م وأيضاً أول سيدة مصرية يتم اختيارها عضواً بالمجلس الأعلى للصحافة وكان ميلاد أمينة السعيد فى القاهرة فى يوم 20 مايو عام 1914 وكان لها عدد 4 شقيقات حرص والدهن الدكتور أحمد السعيد على إعطاء بناته القوة وشجعهن التشجيع العظيم وزرع داخلهن الثقة والطموح والحرص على التعليم والعمل كما عرف عنه تمتعه بالأمانة والنزاهة والشرف والوطنية وشارك فى أحداث ثورة عام 1919م التى وقعت فى مدينة أسيوط وكان ينظم ويحرك ويقود تلك الأحداث ويدعو أهل بلدته للمشاركة فيها وبالفعل خرج الكثير من أهالى مديرية أسيوط فى مسيرات سلمية كان الدكتور أحمد السعيد أحد قوادها مع المحامى المعروف ابن أسيوط محمود بسيونى فتصدت قوات الاحتلال البريطانى لهذه التظاهرات واطلقت الرصاص على المتظاهرين وألقت القبض على بعض القادة المحليين كان الدكتور أحمد السعيد والمحامى محمود بسيونى من بينهم وأبعدتهما عن أسيوط وعن أسرتيهما لمدة ثلاثة أشهر ثم أفرج عنهما بعد أن هدأت الأمور، وقد توفى الدكتور أحمد السعيد بعد ذلك بفترة قصيرة.
ولا يفوتنا أن نذكر أن الكثير من الذين عملوا مع أمينة السعيد فى دار الهلال قد شهدوا لها بإنها كانت رائدة فى مجال الفكر الاجتماعى بصفة عامة وفى مجال التطور النسائى بصفة خاصة وأنها تميزت بالنظرة النافذة والرأى الثاقب وكان لها من وعيها بالمجتمع وهمومه ما ليس للكثيرات والكثيرين فإذا سئلت يكون جوابها عن دراية ورشاد وإذا كتبت فعن دراسة وسداد صحيح أنها تعلمت وتخرجت فى الجامعة ولكن دراستها للحياة الاجتماعية وخبراتها العميقة بالمجتمع وأحواله كانت أعظم وأعمق وكانت لا تعجبها آراء وأقوال وأفكار متسرعة من بنات جنسها وحدث ذات مرة ان اقترحت إحداهن إحالة المرأة العاملة إلى المعاش المبكر وهى فى سن الأربعين فامتشقت أمينة السعيد قلمها ووقفت فى وجه تلك الدعوة ووصفتها بأنها تلتقى دون أن تدرى مع الدعوة المنادية بعودة المرأة إلى البيت وكان مما قالته فى هذا الصدد أن الدعوة إلى المعاش للمرأة فى سن الأربعين هى مجرد تأجير العودة إلى البيت بعد مدة محدودة من العمل ولم ير قلما أكثر حدة من قلمها ولا صوتا أعلى من صوتها عندما أطلقت فتنة التطرف بهذا الوطن العزيز فامتشقت أيضاً قلمها وارتفع صوتها ضد التطرف والمتطرفين مؤكدة وحدة هذا الشعب العظيم وقالت إن المتطرفين والمتعصبين يعملون على تقسيم الشعب وفى الوقت ذاته يعملون على تقسيم المصريين إلى رجال ونساء بدعوى التقوى المزعومة وينصبون أنفسهم لتحديد الحلال من الحرام ويزعمون أنهم قوامون على الدين والدين الصحيح منهم براء.
الحركة النسائية..
انخرطت «أمينة السعيد» فى الحركة النسائية، التى كانت نشطة فى ذلك الوقت، ووجدت من «هدى شعراوي» التقدير والتشجيع وعاونتها فى القيام برحلات مختلفة إلى الخارج؛ كانت أهمها «الرحلة إلى الهند»، وكانت ثمرة تلك الرحلة كتابها المهم «مشاهداتى فى الهند»، وأصبحت «أمينة السعيد» رائدة ثورية فى مجال الفكر الاجتماعي، وفى مجال التحرر النسائي، فقد اقترحت إحداهن مرة إحالة المرأة العاملة إلى المعاش المبكر وهى فى سن الأربعين، ووقفت «أمينة السعيد» فى وجه تلك الدعوة ووصفتها بأنها تلتقى دون أن تدرى مع الدعوة المنادية بعودة المرأة إلى البيت، وكان مما قالته أن الدعوة إلى المعاش للمرأة فى سن الأربعين هى مجرد تأجير العودة إلى البيت بعد مدة محدودة من العمل.. كما حاربت بكلماتها التطرف والمتطرفين؛ مؤكدة على وحدة الشعب، وقالت إن المتطرفين والمتعصبين يعملون على تقسيم الشعب وفى الوقت ذاته يعملون على تقسيم المصريين إلى رجال ونساء بدعوى التقوى المزعومة وينصبون أنفسهم لتحديد الحلال من الحرام، ويزعمون أنهم قوامون على الدين والدين الصحيح منهم براء.
تقول «أمينة السعيد» عن نفسها: «قبل اشتغالى بالصحافة ودخولى الجامعة وتخرجى منها، كنت أقوم بتمثيل بعض المسرحيات فى الحفلات الخيرية التى كانت تقيمها الزعيمة هدى شعراوى لصالح الأعمال الخيرية التابعة لجمعيتها, إن المغفور له قاسم أمين والمرحومة الفاضلة هدى شعراوى سيذكر لهما التاريخ ويحتفى بهما أشد احتفاء, إنهما هما اللذان جعلا المرأة العربية ترفع رأسها أمام المرأة الأوروبية وتتطابقها فى معايير المساواة, لقد أنهت لنا فكرة قيد النساء والحرملك وجاهلية الحجاب عندنا, لن يستطيع أى أوروبى أن يعايرنا بعد الآن, إن نهضة المرأة العربية سواء إن كانت هنا لنساء القاهرة والإسكندرية ودمشق وغيرهما, دمرت كلام المستشرقين المنحرفين الذين جعلوا من شرقنا عالماً من الجوارى وأسواق النخاسة وأن المرأة ليست سوى مرادف للمتعة بشرقنا».
تأثير الحرية على المرأة
خلال حوار نادر مع «أمينة السعيد»، على شبكة «الإنترنت» دون ذكر اسم الصحافى الذى أجراه، تقول عن أهم ثلاث مشاكل عانت منها المرأة خاصة خلال ثلاثة أجيال عايشتها، وذلك من خلال اطلاعها على مشاكل المرأة من خلال باب «اسألوني»، الذى كانت تعمل عليه: «طبعاً كان لكل عصر صراعه ونوعية مشاكله.. ففى البداية كانت النوعية صراع المرأة فى سبيل حرية التعليم وصراعها مع أهلها وزوجها، ثم صراعها فى سبيل العمل وحق الحياة.. جاء بعد ذلك ما ترتب على العمل من صراع المرأة مع الرجل، على من الذى ينفق على ميزانية البيت.. هذه كانت معظم مشاكل باب «اسألوني»، ومشاكل المرأة الآن أنها تمر بمرحلة التمزق النفسى والضغوط الاجتماعية التى جعلتها مشتتة الذهن والوجدان بعد التعليم والعمل والحرية».
وتضيف عن تأثير الحرية على المرأة: «الحرية قد أسعدت المرأة كثيرا ولكنها أضفت كذلك على حياتها كثيرا من عناصر التعب، والسعادة أصلا نسبية، ولكن على الرغم من كل شيء بلا شك الحرية قد أسعدتها، فعلى الأقل كونت الحرية لها الشخصية المميزة، وجعلت منها إنسانة لها حقوق وواجبات فى المجتمع.
ارتبطت «أمينة» بالمناضلة السياسية «هدى شعراوي»، فكانت تدعوها لحضور اجتماعات الاتحاد النسائي، لتتعلم قواعد الحوار والمناقشة وتتشرب الأفكار التى يدافع عنها الاتحاد، ولأن «أمينة السعيد» كانت فى أسرة منتمية للبرجوازية الصغيرة، وكان أبوها مشجعا لها، لم تلق صعوبة فى طريقها الجديد، والتحقت بكلية الآداب، وكانت ضمن الدفعة الثالثة، أى أنها من المجموعة الثالثة من الفتيات المصريات اللاتى التحقن بكليات الجامعة المصرية، فى ثلاثينيات القرن الماضي، وهى المولودة فى العام «1914»، ولم يكن المجتمع المصرى تخلص من النظرة الدونية للمرأة، ومن يرد التعرف إلى ما حدث لطلبة الجامعة لما رأوا الفتيات يجلسن معهم فى مدرجات الجامعة، يمكنه قراءة مذكرات نجيب محفوظ التى صدرت عن مركز الأهرام للترجمة، ودار الشروق بالقاهرة، وهى من إعداد وتحرير الناقد الراحل «رجاء النقاش» الصحفى بدار الهلال فى الفترة التى كانت فيها أمينة السعيد نجمة العمل الصحفى فى مصر كلها وحضورها طاغ فى نقابة الصحفيين ـ والجميل فى قصة حياة «أمينة السعيد»، الفصل الخاص برغبتها فى احتراف العمل الصحفي، فقد تحدثت عن تلك المرحلة من حياتها لبرنامج تليفزيونى مصرى جميل أذيع فى ثمانينيات القرن الماضى على القناة الثانية للتليفزيون المصري، وأعادت قناة «ماسبيرو زمان» إذاعته منذ فترة، فقالت إنها كانت تقوم بترجمة قصص لكتاب أوربيين عن اللغة الإنجليزية، وتتقدم بها إلى الإذاعة، وكانت تلقى الرفض، لأن المترجمة «امرأة»، والمدهش أن الإذاعة نفسها كانت تذيع المسرحيات التى كانت «أمينة» تشارك فيها بالتمثيل، وهى مسرحيات كان «توفيق الحكيم» يكتبها خصيصا للاتحاد النسائى المصرى بناء على طلب السيدة «هدى شعراوي»، وسعت «أمينة» للعمل الصحفي، فعملت لفترة فى «كوكب الشرق»، وهى صحيفة مصرية وفدية كان يرأسها «دكتور أحمد ماهر»، ولم تحصل على أجر منها، ولكن «مصطفى أمين» ـ الصحفى المعروف ـ كانت لديه رغبة فى إلحاق المرأة المصرية بالعمل الصحفي، لأن المرأة «صحفية» بالفطرة، تنقل الخبر، وتعرف قدر المعلومة وأهميتها، لذلك شجع «أمينة السعيد» بعد فشل تجربتها فى «كوكب الشرق»، وساعدها على العمل الصحفى الاحترافى من خلال مجلة «آخر ساعة» التى كان يملكها الصحفى الرائد «محمد التابعي»، وفيما بعد اشتراها منه «مصطفى وعلى أمين»، وكان أول «تحقيق» كلفها به عن «حمام السيدات الهوانم» زوجات الوزراء وزوجات الكبار فى الدولة المصرية، وهذا الحمام موجود فى الإسكندرية ، فسافرت «أمينة» وكتبت تحقيقا خطيرا، الأمر الذى دعا الحكومة للاجتماع العاجل وإصدار قرار بإغلاق مجلة «آخرساعة»، ولكن «النائب العام» الذى طلب منه صياغة قرار الإغلاق، قال إن التحقيق المنشور فى المجلة لا يقع تحت طائلة قانون العقوبات وليس فيه ما يستوجب الإغلاق، فاكتفت الحكومة بتوجيه إنذار لملاك المجلة، وتوالت أعمال أمينة السعيد، وتوالت معاركها، وانتقلت للعمل فى «دار الهلال» مع «إميل زيدان»، وعملت فترة، ثم استغنت الدار عنها، لأنها لم تحقق النصاب المطلوب من الموضوعات الصحفية، وأخبرها صاحب «دار الهلال» بأن الدار لن تستطيع أن تدفع لها راتبها الشهري، نظرا لانخفاض إنتاجها الصحفي، وعادت أمينة إلى بيتها، ووجدت زوجها «دكتور عبدالله زين العابدين» وهو أستاذ بكلية الزراعة، وحكت له ما حدث، وساعدها على تجاوز الأزمة، بل أهداها موسوعة أدبية مترجمة، وعادت مرة أخرى إلى «دار الهلال»، وفى العام 1954 تولت منصب «رئيس تحرير مجلة حواء»، وهى المجلة النسائية الوحيدة فى مصر، وحققت ـ أمينة ـ نجاحا كبيرا وارتفع توزيع المجلة، واختيرت لتولى رئاسة تحرير «المصور» ونجحت فى تحريرها، وفى الوقت ذاته لم ينقطع عطاؤها الوطني، فكانت تشارك فى كل المعارك الوطنية، بقلمها وفكرها.
من أوراق أمينة السعيد
«أمينة السعيد».. كاتبة مصرية، وصحفية ورائدة من رواد الحركة النسائية.. ولدت عام 4191، وعاشت طفولتها فى «أسيوط»، جنوب مصر، كان والدها طبيباً معروفاً وقد حرص على تعليم أبنائه.
> تخرجت أمينة السعيد عام 5391 وعملت بمجلة دار الهلال وتزوجت من الدكتور عبدالله زين العابدين عضو هيئة التدريس بكلية الزراعة عام 7391 لها منه ولدان وبنت، ثم عملت بالإذاعة ثم عادت مرة أخرى لدار الهلال عام 5491 وظلت بها حتى وفاتها، اهتمت بالنشاط النسائى وساعدتها هدى شعراوى على القيام برحلات مختلفة إلى الخارج وكانت أهمها رحلتها إلى الهند التى كانت من ثمارها كتابها «مشاهداتى فى الهند». أثناء عملها بالمصور بدأت بباب «اسألوني» الذى عرفت به وكانت ترد على أسئلة القراء.
> ترأست تحرير مجلة حواء فى عام ٤٥٩١، ثم رئيس تحرير مجلة المصور، وتولت رئاسة مجلس إدارة دار الهلال عام 6791، وكانت أول صحفية تزور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
> أصدرت عدة مؤلفات أهمها «وجوه فى الظلام، من وحى العزلة، الهدف الكبير، اخر الطريق» وغيرها، طالبت بإلغاء المحاكم الشرعية وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وحصلت على عدة أوسtمة تكريماً لمجهوداتها فمنحها الرئيس جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 3691 وأرسلها فى بعثة مع الدكتور عبدالقادر حاتم للولايات المتحدة لشرح موقف مصر فى أخبار عدد من المواقف السياسية، وحصلت عام 9791 على جائزة الكوكب الذهبى الدولية، ومنحها الرئيس السادات وسام الجمهورية عام 0791.
> رافقت السيدة جيهان السادات فى مؤتمر المرأة بكوبنهاجن حيث دافعت عن اتفاقية السلام وحقوق المرأة.
> فى عام 2991 منحها الرئيس الأسبق حسنى مبارك وسام الثقافة والآداب وتوفيت فى ٣١ أغسطس 5991.