حققت عملية طوفان الأقصى التى نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس وشارك فيها لاحقا حزب الله اللبنانى هزيمة ساحقة لنظرية الأمن الإسرائيلي، تلك النظرية التى بُنيت عليها الدولة الإسرائيلية وجمعت بها اليهود من الجيتوهات التى كانوا يسكنونها فى شتى أنحاء الأرض شرقا وغربا باعتبارها واحة الأمن والأمان وأرض الميعاد التى بشرت بها التوراة التى يمكنهم العيش فيها على أنها الوطن الذى يجمعهم.
ظل هؤلاء اليهود يعيشون فى المستوطنات التى أقيمت على أرض فلسطين حياة هانئة متباهين بالأمن الذى وفرته لهم العصابات الصهيونية فى أربعينيات القرن الماضى ثم الجيش الإسرائيلى الذراع الطويلة الذى كان يضرب ويقتل ويدمر بأسلحته الفتاكة كل من يجرؤ على الاقتراب، إلى أن نفذت المقاومة عمليتها الجريئة التى استهدفت فيها المستوطنات المحيطة بغلاف غزة والفرقة العسكرية التى تحميهم، وتمكنت للمرة الأولى من أسر العشرات من الجنود وسكان تلك المستوطنات، بينما هرب الباقون تاركين الأرض التى يعيشون عليها منذ عشرات السنين.
فى الشمال وتحت ضربات حزب الله فر سكان المستوطنات الموجودة على الأرض المحتلة بالقرب من الحدود اللبنانية إلى مدن الداخل وكثيرون تقدموا بطلبات للعودة لبلدانهم الأصلية، بعدما استهدفت الضربات الصاروخية منازلهم وخوفا من أن ينفذ مقاتلو الحزب عملية شبيهة بطوفان الأقصى يستطيعون خلالها أسر عشرات آخرين.
اليهود دخلوا فى مرحلة جديدة من الشتات الفكرى والجيوسياسى فرضتها قوة الحق وقوة المقاومة، هذا الشتات مبنى على كشف زيف مفهوم الوطن الآمن الذى جاءوا إليه غاصبين، فلم يعد آمنا ولم يعودوا مقتنعين به، بعد ما حدث من جرائم ارتكبها جيشهم ضد المدنيين الفلسطينيين، وبات العالم كله يصفهم بالهمجية وبدأوا يثيرون المشاكل والشغب فى كل مكان يتواجدون فيه حتى لو كان ملعب كرة فالجميع يراهم مجموعة من القتلة لا يقيمون وزنا للقانون أو الإنسانية وهو ما سيدفعهم يوما للعودة للجيوتوهات التى خرجوا منها سابقا.
من أجل ذلك يستميت النتنياهو فى حربه ضد قطاع غزة، ويعرقل كل محاولات الوسطاء من أجل الوصول إلى اتفاق لعملية تبادل مع المقاومة، ليس من أجل الاسرى الموجودين تحت أيدى المقاومة، ولكنه يريد أن يمحى أى فكرة قد تنمو فى عقل طفل فلسطينى تكبر يوما بعد يوم إلى أن تصل لتنفيذ عملية أخرى شبيهة بطوفان الأقصي.