بالتواريخ والأرقام، لم يتبق على الانتخابات الرئاسية الامريكية فى الخامس من نوفمبر القادم سوى اقل من مائة يوم، وهذا فى حياة اى شعب، وقت قصير، لا يحتمل توقع الكثير من التطورات الدراماتيكية.
لكنه فى حياة الشعب الامريكي، وبمقياس تسارع احداثه الانتخابية الحالية وقت طويل طويل، ومفتوح على كل الاحتمالات بما فيها ان هذه الانتخابات قد لا تمر على خير.
فى اسبوع واحد، رأينا صورة مصغرة لما يمكن ان يحدث من تطورات خارج السياق الطبيعى خلال المائة يوم القادمة فقد غير ذلك الاسبوع المشهد الانتخابى الذى كان معداً للاستمرار حتى الخامس من نوفمبر.
قرار من المحكمة العليا الامريكية بمد الحصانة الرئاسية المقررة للرؤساء الامريكيين خلال توليهم المنصب الرئاسي، لتشملهم بعد ان يصبحوا رؤساء سابقين.
القرار، اسقط بذلك اى قيود قانونية او قضائية عن المرشح الجمهورى الرئيس السابق «ترامب» كان يمكن ان تشكل عقبة فى طريق استمرار ترشحه، فأصبح فى مركز اقوى واكثر تحرراً.
لم يكد ترامب يفرح بالقرار، حتى عاجلته رصاصة اخطأت رأسه واصابت اذنه، فى محاولة اغتيال خلال وجوده فى احدى الفعاليات الانتخابية.
كانت المعادلة الانتخابية هي: ترامب الرئيس السابق فى مواجهة بايدن الرئيس الحالي.
معادلة بين «رجلين»، يجمعهما «كبر السن» بفارق ثلاث سنوات زيادة فى عمر بايدن.
والصراع علي.. «من يفوز بفترة رئاسية ثانية».. فكل منهما حظى بفترة واحدة والدستور يسمح له بالترشح لفترة ثانية له ولحزبه بالطبع.. اى انهما متعادلان.
فجأة، وبعد ساعات من اعلانه الاصرار على الاستمرار فى السباق الانتخابى وان سنه وحالته الصحية والذهنية تسمح له بالتطلع للاستمرار فى قيادة الولايات المتحدة، وانه الوحيد القادر على هزيمة ترامب مرة ثانية كما هزمه فى انتخابات 2020.. خرج بايدن ليعلن انسحابه من السباق اعلاءً للمصلحة العليا للولايات المتحدة.
وقدم بايدن نائبته كمالا هاريس ــ 60 سنة ــ كمرشح بديل عن الحزب الديمقراطى وحث الحزب على تدشين هذا الترشيح.
هكذا تغيرت عناصر المعادلة تماما.
تحول السباق من رجلين إلى رجل وامرأة، ليعيد الرئيس السابق ترامب سيناريو انتخابات 2016 حين واجه هيلارى كلينتون كمرشحة عن الحزب الديمقراطي.
وتحول من منافسة بين اثنين من كبار السن بفارق ثلاث سنوات هى الفاصل بين نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.. إلى منافسة بين اثنين يفصل بينهما فى العمر 18 سنة.
والصراع يتحول إلى رغبة ترامب فى فترة رئاسية ثانية، وطموح «هاريس» فى فترة اولى لها وثانية لحزبها وان يكتب التاريخ الامريكى عنها انها اول امرأة تفوز برئاسة الولايات المتحدة، وهذا دافع اضافى قوى لها بجانب انها ملونة وانها تنتمى إلى المهاجرين.
المشهد بعد هذه المتغيرات المتسارعة يبدو الان وكأن الانتخابات تبدأ من جديد بالنسبة لطرفيها.
اختار ترامب نائبا له من متوسطى العمر بينما مازالت «هاريس» تبحث عن نائب.
حتى الان فإن «دولة المؤسسات» فى امريكا نجحت فى احتواء هذا التحول فى المشهد الانتخابى واستيعابه فى اطار القواعد ودون خروج عن النص.
لكن.. هل ستصمد امام ما قد تحمله المائة يوم القادمة من تحولات؟!
ترامب، مقاتل متجهم.. شخصيته تعطى احساسا بالقوة والتحدي، والتصرف فى كثير من الاحيان خارج القواعد المتعارف عليها.. فهو ليس نتاج دولة المؤسسات، وقد اعلن فى انتخابات 2016 رفضه لها وتمرده عليها ونجح فى هزيمة هيلارى التى تمثلها وتصادم مع بعض اقوى هذه المؤسسات.
وهو شخص لا يضحك وبالكاد يبتسم، لكنه يمتلك قدرة هائلة على السخرية اللاذعة التى تربك الخصوم.
«هاريس» غير هيلارى رغم انهما نتاج دولة المؤسسات.. هاريس اقل تحفظا واكثر انفتاحا وحيوية، وتملك ضحكة مميزة رغم ان ترامب وصف ضحكتها بانها بلهاء.. وهى تظهر فى مشاهد تجرى وترقص مع الاطفال.
طبع كل هذه مؤثرات وقتية.. فالسياسات والمواقف من القضايا ذات الصلة بحياة الناخبين ومستوى معيشتهم وفرص العمل التى تتيحها لهم ولأبنائهم، والاعباء الضريبية التى يتحملونها كل ذلك هو المؤثر الاقوى فى اتجاهات التصويت فى الانتخابات.
وامريكا الآن فى حالة انقسام اكبر من اى وقت مضي.. انقسام داخلي، وتراجع فى الدور العالمى امام زحف تيار الدعوة إلى تحول النظام العالمى من قيادة قطب واحد يعمل لمصالحه فقط، إلى قيادة متعددة الاقطاب تحترم الاخر، وتؤمن بالتنوع كأساس قوى للوحدة والتقدم.
وترامب يمثل كابوسا لحلفاء امريكا ولمنافسيها على السواء إذا فاز، وكابوسا للداخل الامريكى اذا انهزم.
فهو يرفض الهزيمة ويحمل فى جيب سترته اتهامات مسبقة وجاهزة بتزويد الانتخابات وسبق ان صرح بأن هزيمته سبقت الفوضى لأمريكا وهى رسالة لانصاره بالتحرك إذا لزم الامر، على غرار الهجوم على مبنى الكونجرس.
هذه بعض التحديات القائمة بالفعل.. غير بعض التحديات المحتملة مثل تدخل اجنبى فى الانتخابات او هجمات سيبرانية لافساد عملية التصويت، او استخدام الذكاء الاصطناعى او عمليات ارهابية داخل امريكا او ضد مصالحها فى الخارج.
امريكا مفتوحة خلال الشهور الثلاث القادمة على كل الاحتمالات.