«لن أشارك بعد الآن فى الإبادة الجماعية» هكذا قال الجندى الأمريكى لمن حوله وهو فى طريقه إلى مبنى السفارة الإسرائيلية فى عاصمة بلده واشنطن، كان «آرونبوشنل» يرتدى زيه العسكرى وهو فى طريقه إلى مبنى السفارة ويقول لمن معه إنه سينظم وقفة احتجاج عنيف على ما يحدث من قتل جماعى لسكان غزة. ويقول «لكن احتجاجى ليس كبيرا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على يدى محتليهم»، وبعدها، تفاجأ القريبون منه بإخراجه مادة قابلة للاشتعال، وسكبها على رأسه وأشعل النار فى نفسه وهو يصرخ «الحرية لفلسطين» مرارا وتكرارا وهو يقع فى الشارع، وفى الفيديو الذى صوره أحدهم له ظهر رجل شرطة يقول له: هل يمكننى مساعدتك؟ فرد عليه شرطى آخر قائلا: نحتاج إلى مطفأة حريق وليس مسدسا «وينقلونه إلى مستشفى فى حالة حرجة، ويموت هذا الجندى الشاب فى سلاح الطيران الأمريكي، البالغ من العمر 25 عاما، والذى علمنا بقصته ظهر الاثنين أول أمس من خلال أبناء الإعلام الفورى فى أى مكان، وكل مكان، إعلام الصورة والفيديو المتاح للجميع من خلال السوشيال ميديا، وهكذا أعاد بوشنل تذكير بلده ورئيسه بايدن وإدارته بعارهم، ورفضهم وقف إطلاق النار على شعب غزة للمرة الثالثة فى مجلس الأمن قبلها بيومان اثنان فقط، وبعد خمسة اشهر من الحرب، و30 ألفا من الشهداء تقريبا، والغريب حقا أن هذه الإدارة التى ترفض وقف إطلاق النار على شعب غزة فى الأمم المتحدة لثلاث مرات تعيد ترديد كلمات من نوع «ضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين» فى غزة، وكأنه شو درامى وليس قرار سياسي، فأرواح المدنيين تتهاوي، خاصة الأطفال والنساء، أمام العالم كله يوميا بأوامر النتن ياهو، وبأسلحة أمريكا المستمرة، وأساطيلها الحامية، أننا بإزاء مسرحية عبثية على مسرح مفتوح، يقوم القاتل فيها بمحاولة القضاء على الجانب الآخر – برعاية التنين الأكبر الحامى – ويقف رعاة الحق على الجانب الآخر عاجزين عن إنقاذ الضحايا، مهما قدموا وبذلوا.. وليظل سفاح المجزرة رافعا سلاحه طالبا المزيد من الدماء والضحايا، والطرد، والأرض، إنها صورة عبثية لحدث حقيقى وليس مسرحي، لكن الواقع هنا تحول إلى عبث بفضل مفردات جعلت موت البشر، وهدم بيوتهم، وإرعابهم للخروج من بيوتهم، جعلت هذا «فضيحة» كونية وليس مسرحية فالسفاح وفريق القتلة معه لا يكفون عن القتل والهدم وكأنه فريضة لأنهم آمنون مع الراعى الكبير واتباعه، لا يستطيع أحدا إيقافهم وعقابهم، فقد فقدوا جميعا البصر والبصيرة والحكمة، وبرغم الديموقراطية التى يتذرعون بها، فلم يراعى أيا منهم غضب. شعبه ومظاهراته المستمرة ضد ما يحدث للشعب الفلسطيني، فى كل مكان وبلد خرجت الشعوب ترفض هذا، وصمت حكامها أو تذرعوا بالكذبة الكبرى «إسرائيل تدافع عن نفسها» ونسوا جميعا 75 عاما من العدوان والقهر والاحتلال، ونسوا ان الشعوب لا تنسي، ولن تنسي، وان كل البشر فى هذه الدنيا أصبحوا شهودا على ما لم يتصوروه، «وما كان محفوظ فى الكتب والأفلام القديمة»، أصبحت شعوب العالم كله شاهدة على التطهير عرقي، والإبادة الجماعية، والقتل على الهوية، والتهجير الاجباري، وتاريخ جديد من العنف يفوق كل ما قرأناه فى الماضي.