سقطت الأقنعة وظهر من تحتها الوجه القبيح، فيوما بعد يوم يزداد التأكد من الزيف الأمريكي، والتحيز الفج وعدم النزاهة فى كل المواقف، ولم يعد الأمريكيون يكيلون بمكيالين فقط، بل يكيلون بمئات المكاييل حسب أهوائهم ومصالحهم المجردة، ويغالطون فى كل الأمور ويتعاملون بمئة وجه بلا حياء أو حمرة خجل.
فى الوقت الذى يتغنى فيه الأمريكان بضروة وقف الحرب والهدنة الإنسانية فى غزة، يواصلون إمداد الصهاينة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة والأكثر خطورة الحديثة لتجريبها، ويدافعون عن مجرمى الحرب نتنياهو وشركاه من حكومة العنف والتطرف والدم، ويحاولون حمايتهم من صدور أوامر اعتقال ضدهم من المحكمة الجنائية الدولية.
فهذا رئيس مجلس النواب الأمريكى مايك جونسون، يهدد الجنائية الدولية إذا أصدرت مذكرة اعتقال ضد نتنياهو، ويعتبره تطورا خطيرا، وقال «يجب أن نرد على المحكمة بفرض العقوبات وقلب الطاولة عليهم»، بل وهدد أعضاء من الكونجرس المحكمة «بإجراءات انتقامية» فى حال إصدارها مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، فى الوقت الذى يعيش فيه نتنياهو حالة من القلق البالغ من احتمال إصدار مذكرة اعتقاله.
الأدهى والامّر، أنه بعد الموقف المصرى المشرف والثابت الذى يؤكد رفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو أى مكان آخر ورفض تصفية القضية الفلسطينية، مازال الأمريكيون يبحثون عن بدائل لتنفيذ هذا المخطط الشيطاني، ويعرضون على الفلسطينيين اللجوء وتسهيل الإجراءات لهم من أجل عيون الطفلة المدللة غير الشرعية، ثم يسيرون فى تناقضهم بالتصريح برفض تهجير أبناء غزة، فيا له من عار على جبين الأمريكان الذين يخدعون أنفسهم قبل غيرهم.
وذاك البلد الذى يتغنى بالديمقراطية ويسعى لفرضها على بلدان العالم بطريقته التخريبية، وكان منها ما شهدته منطقتنا تحت زعم الربيع العربى الذى لم يكن سوى تخريب وتدمير مازالت توابعه وآثارة مستمرة ولم يقم للكثير من الدول قائمة حتى الآن، وجدنا الأمريكيين يتعاملون بكل عنف ضد الاحتجاجات الطلابية التى يشهدها عدد من الجامعات فيها رفضا للإبادة الجماعية والدمار فى غزة، وواجهوا الطلاب بكل عنف وقسوة من الاعتقال والركل والضرب بالهراوات والإيقاع على الأرض ورشهم برذاذ الفلفل الحار، ومواجهتهم بمدافع الصوت، ثم التهديد بالفصل وإغلاق الجامعات، رغم أن الطلاب لم يفعلوا غير رفع اللافتات وترديد الشعارات التى تطالب بإنهاء الحرب ووقف دعم جيش الاحتلال.
ثم تأتى الديمقرطية المزيفة وتزيد الطين بلة، ويقر مجلس النواب تشريعاً، يضع قيوداً أكثر على انتقاد إسرائيل، ويستهدف تمويل المؤسسات التعليمية التى تقع فيها تظاهرات مناهضة لإسرائيل.
فى الواقع لم يتجاوز التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول التعاون «الاقتصادي» ولم يرق إلى المستوى السياسي، وتتوهم تل أبيب أنه يحقق لها الأمن والاستقرار وهذا مجرد وهم، ولا يقدم ولا يؤخر ولا يؤدى إلا لمزيد من التوتر، فلن يتحقق الأمن بالمنطقة والعالم إلا بحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
فى المقابل، إحقاقا للحق ورفضا للممارسات الإسرائيلية، وجدنا الكثير من الدول تؤيد الحق الفلسطينى ولا تخشى التهديديات الإسرائيلية المدعومة بالآلة العسكرية الأمريكية، وأعلنت استعدادها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومنها كولومبيا التى واصلت رفضها لمجازر جيش الاحتلال، وأعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا فى محكمة العدل الدولية.