ليس أصعب من الإحساس بالظلم والشعور بالقهر.. حقيقة بديهية نعرفها جميعا.. ونعرف أن المظلوم أو المقهور يمكن أن يموت كمدا.. وبرغم ذلك يصر العلماء على أن الوقاية من أمراض القلب وأزماته القاتلة تبدأ بالتعامل مع هذا الإحساس المؤلم بلا مبالاة وربما ببلاهة.. يطالبون بتجنب توتر العمل أو التوتر الناتج عن مشاكل وضغوط ومتاعب العمل.. فيساهمون من حيث لا يدرون أو ربما من حيث يدرون فى رفع ضغط الدم وزيادة مؤشرات التوتر فى حياتنا.. لأنهم يربطون بين سلامة قلوبنا وبين تحقيق المستحيل.. أن نعيش بدون توتر أو قلق.. هل نستطيع ذلك ؟.
دراسات علمية جدا أثبتت أن ضعف الراتب يسبب الأزمات القلبية.. أن الحرمان من الترقى يجهد القلب.. أن انعدام الحوافز والمكافآت يسبب الوفاة المبكرة، ولكن أيا ممن أجروا هذه الدراسات وتوصلوا إلى هذه النتائج لم يوضح لمن يعانى من ضعف الراتب والظلم وانعدام الحوافز، ولا لمن يحاصره الإحباط وتطحنه المعاناة، ما الذى يتوجب عليه فعله لكى يحمى قلبه من الأزمات، ويحمى شرايينه من الكوليسترول الذى يفضل التراكم على شرايين المتوترين.. حتى ولو كانوا ممن لا يأكلون الأطعمة الدسمة بسبب ضيق ذات اليد، وليس بسبب الالتزام بتعليمات السلامة الصحية.
المشكلة أن التوتر أصبح جزءا من حياتنا.. أو القلق أصبح سمة العصر.. أو كل ما يحيط بنا حتى على مستوى الحياة الشخصية والشئون الأسرية يطلق فى أجسامنا هرمونات القلق والتوتر والخوف من المجهول.. المشكلة أن ترويض القلق والانتصار عليه وتجاوز تأثيراته، مهارات لا يجيدها الكثيرون وربما لا يجيدها الإنسان المعاصر بشكل عام.. وهذا يعنى أن قلوبنا ـ وفقا لروايات وحكايات العلماء ـ محكوم عليها بالاعتلال.
والأمر لا يقتصر على القلوب وحدها بل يمتد إلى معظم أجزاء الجسم وأجهزته، الأبحاث تؤكد أن من يعانى من القلق يصاب بشكل من أشكال الضعف الجنسي.. الدراسات تؤكد أن المهمومين بالعمل يضحون بالعلاقة الزوجية قهرا لا اختيارا.. الطب الحديث يحدثنا عن الأمراض النفس جسدية أو الأمراض العضوية ذات المنشأ النفسى وهى أمراض كثيرة وخطيرة.. ولكن أحدا لم يقل لنا كيف نتجنب القلق وأمراضه ومضاعفاته.
أخر الدراسات التى تناولت أمراض القلق أجريت فى فنلندا، أظهرت نتائجها التى نشرت فى مجلة «بريتيش ميديكال جورنال» الطبية المتخصصة.. أن التوتر الشديد فى العمل يضاعف مخاطر الوفاة بأزمة قلبية. وتابع الباحثون المتخصصون فى شئون «الصحة خلال العمل».. وهو بالتأكيد تخصص غريب علينا.. على مدى أكثر من ربع قرن.. 812 موظفا فى مجال الصناعة يتمتعون بصحة جيدة، بينهم 545 رجلا و267 امرأة فى إحدى الشركات.. وسجلوا خلال إجراء الدراسة 73 حالة وفاة فى صفوف هؤلاء الأشخاص بسبب أمراض قلبية.. واتاح إجراء مقابلات وفحوصات وتوزيع استمارات، لهؤلاء الباحثين جمع معلومات حول التوتر والضغط ومعدل الكوليسترول فى الدم. الباحثون استخدموا ايضا معلومات حول الوفيات بأمراض القلب خلال الأعوام من 1973 إلى 2001.. وبعد كل هذا الجهد انتهوا إلى أن التوتر فى العمل ومتطلباته، والمكافأة غير الكافية للجهود أدت إلى ارتفاع مخاطر الوفاة بأزمات قلبية بمعدل الضعفين لدى الموظفين الذين كانوا يتمتعون بصحة جيدة عند انطلاق الدراسة.
الباحثون كشفوا كذلك أن الموظفين الذين يعانون من توتر شديد يتعرضون أيضا لارتفاع فى معدل الكوليسترول فى الدم.. وأن الزيادة فى الوزن تتضاعف نسبتها بشكل كبير بعد عشر سنوات من التوتر والجهود المكرسة لمهمة لا تلقى تقديرا كافيا.