بعض الناس، عندما تستقر الأحوال وتنتهى المخاوف والتهديدات ويعود الأمن والاستقرار، ينسون، ما كان من أزمات وتحديات وجودية، وما خاضته مصر ومازالت من معارك من أجل البقاء والبناء حتى نصل إلى النقطة والمرحلة التى نعيش فيها، لذلك أحزن عندما أتابع بعض الحوارات والأحاديث التى تتجاهل «أين كنا، وماذا أصبحنا»، لا يتطرقون إلى حجم المعاناة والتهديد الوجودى الذى واجه الدولة الوطنية المصرية، وكيف تحولت من الضعف والتراجع إلى القوة والقدرة والثقة، وفى هذه الفترة أيضاً هناك تجاهل لما يمر به العالم وما تمضى إليه المنطقة فى اتجاه خطير له تداعياته، وهو أمر غير مسبوق، وخطير.. التعامل معه يجب أن يكون بحكمة ودقة وتوازن وصبر وتريث، وأن تظل مصر البلد المستقر الآمن الأمين فى هذه المنطقة المشتعلة فهذا قمة الإنجاز والنجاح، بعض الناس مش شايفة كل هذه التهديدات والأزمات والصراعات فى العالم والإقليم، لا ترى ولا تنطق إلا بالسواد والسلبيات من وجهة نظرها، لا يعجبها العجب، تتحدث وكأن مصر كانت سويسرا أو الصين قبل 10 سنوات، وليست دولة كانت على مشارف الضياع والسقوط إن لم يكن سقطت.
هؤلاء القلة الذين يتحدثون بطريقة تفتقد لأدنى معايير المهنية كل شيء بالنسبة لهم شيء، ولا تشفع عندهم قوائم عريضة من الأزمات والمشاكل المتراكمة خلال العقود الماضية، ولا فوضى عارمة كادت تأكل الأخضر واليابس، ربما الكثير منهم شاركوا فى صنعها أو حتى نشرها، بل وبعضهم كانوا حملة مباخر ومحللين لكيان الإخوان المجرم، أو ما يعرف الذراع اليسارية للإخوان المجرمين، تناسوا عن عمد ما كانت عليه الأوضاع والأحوال فى مصر، دولة مختطفة، من إرهابيين وفوضوية، من الواضح أن التنظير ومناخ الفوضي، والحوارات العقيمة، أو حب الظهور هو البيئة المناسبة التى يعيش فيها هؤلاء.
هذه الأيام أتابع حوارات كثيرة، آراها عقيمة ومريضة ومحاولة لتزييف الحقائق، ونسيان ما كان وتجاهل ما أصبحنا عليه، حيث كتبت فى هذا المكان عن أهمية الموضوعية والانصاف والمهنية فى الحديث فليس كل من هب ودب يتحدث فى الشأن.
«اللى ما يشوف من الغربال أعمي» مثل بلدي، يعنى أن الاحساس نعمة، والإنسان الذى لا يرى الحقائق من حوله والتى تخرق العين، هو مصاب بالعمي، هذه ليست اساءات على الاطلاق، ولكنها توصيف لحالة اللا مبالاة وتجاهل كل ما يواجهنا من تحديات وتهديدات، وكل ما يدور من حولنا فى كل أنحاء العالم، أو ملم بعلوم السياسة والاقتصاد، والأمن، والغريب أن بعض المنظرين، فشلوا فى كل مواقع المسئولية على أرض الواقع.
الحقيقة كنت ومازلت أتمنى من هؤلاء الذين يتحدثون عن مصر وتجربتها أن يضعوا فى اعتبارهم أموراً كثيرة يتجاهلونها لا أعرف عن جهل أو عمد، فلم يتحدث المنظرون وفلاسفة هذا الزمان عن الأوضاع فى مصر قبل 2014، وحجم المشاكل والأزمات والتحديات المتراكمة من العقود الماضية، وما خلفته الفوضى فى الفترة من يناير 2011، وحتى رحيل الإخوان فى 2013، وما تبع ذلك من حرب خاضتها الدولة المصرية ضد الإرهاب، ولم يذكر أحدهم كيف آلت الأوضاع والظروف الاقتصادية فى مصر قبل تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية فى قيادة الوطن، وكيف كانت أحوال الناس، وحجم المعاناة وكذلك ما كانت عليه كافة القطاعات والمجالات وما وصلت إليه الخدمات خاصة فى مجال الرعاية الصحية، وكيف كانت الأحوال والأوضاع فى سيناء والصعيد وكيف تفاقمت ظاهرة الزيادة السكانية إلى الحد المرعب مع التدهور الاقتصادي، وتوقف الإنتاج وتراجع قطاعات مثل السياحة، وأيضاً الزراعة، وما شهدته من تعديات خطيرة، افقدت مصر مئات الأفدنة من أجود الأراضي، ومع تزايد النمو السكانى وغياب رؤية التوسع الزراعى الأفقى والرأسى ثم أين الحديث عن الفوضي، والإرهاب وغياب الأمن والأمان والاستقرار، ثم كيف كانت علاقات مصر مع العالم، وأين كان الدور والثقل والمكانة المصرية، وأين كان وجودها فى إفريقيا، وما ترتب على هذا الغياب، وهل استفادت مصر قبل السيسى من موقعها الجغرافى والإستراتيجى الفريد.. وهل كان هناك اهتمام وأولوية لبناء الإنسان المصري، باختصار أريد أن يذكر هؤلاء الحالة والتحديات، والأزمات والمشاكل التى انطلقت منها التجربة المصرية، لكن البعض يصر على تجاهل كل ذلك، بالإضافة إلى أهمية الحديث عن حجم التغيير الذى حدث فى مصر إلى الأفضل، وما يدين هؤلاء الذين يتجاهلون ذكر الحقائق والنجاحات ان الاختلاف فى وجهات النظر هو حديث عن وجهات نظر، وتشدقات بهرم الأولويات، وطبيعة السياسات لكن ينكرون ما جرى على أرض الواقع من ملحمة حقيقية، فى كافة ربوع البلاد وفى جميع المجالات والقطاعات، لا تخطئها العين ومنحت مصر فرصاً ثمينة، لعبور الأزمات وتداعيات الصراعات الإقليمية والدولية، والحقيقة أن هناك حالة من التفاؤل لدي، ليست معلومات مباشرة، ولكن قراءة فى حراك الدولة وخطواتها وأنشطتها وتجهيزاتها للإعلان عن مفاجآت كبيرة تنطلق من رحم تجربة الـ 10 سنوات خاصة فى ظل مناخ الاستثمار الجاذب وأيضاً الموقع الجغرافى الإستراتيجى لمصر، وتهيئة أفضل السبل لتحويله إلى طاقة استثمارية بعد إنشاء البنية التحتية المصرية، وتوفير كافة المقومات، لذلك أتوقع طفرات كبيرة فى هذا المجال وقد سبق أن تحدث الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء عن وجود 4 أو 5 مناطق على غرار مدينة رأس الحكمة، بالإضافة إلى ما يشهده قطاع الصناعة، والطاقة، والاكتشافات الواعدة فى مجال الغاز والبترول والمعادن، وأيضاً الرؤى الخاصة بتطوير عوائد السياحة، وتعظيم النمو السياحى فى مصر، وسوف يدرك الجميع قيمة ما تحقق وما يجرى على أرض الواقع، وأهمية البنية التحتية، وربط المدن المصرية وبناء المدن الجديدة الذكية، ثم الموانئ المصرية بعد تطويرها، وقيمة الاستثمار فى الموقع الجغرافي، وما لدينا من إمكانيات وقدرات فى مجال توليد الطاقة بكافة أنواعها، والمستقبل فى ظل العمل على قدم وساق فى محطة الضبعة النووية للأغراض السلمية، ثم وجود هدف أن تصل نسبة الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة والنظيفة إلى 42٪ من إجمالى إنتاج الكهرباء فى مصر، لا يجب أن يهيل البعض التراب على ما تحقق فى مصر، ويتغافل نجاحات تفوق أى توقعات، ويا ليت هؤلاء يتحدثون عن الصورة قبل تجربة مصر التنموية وبعدها، وكيف حدث هذا التطور والتغيير الاستثنائى فى زمن قياسي، لذلك أرى أن بعض الناس لديهم ذاكرة الأسماك، نسوا أو تناسوا بسرعة حجم الرعب، والفزع على مصر، وما كانت تعيشه من فراغ أمني، وفقدان للأمل وغياب لرؤى الإصلاح والبناء، أحاديثهم هى مجرد قشور، وأرى أنهم مطالبون، بالاعتراف أن ما جرى فى مصر على مدار 10 سنوات، أقرب إلى المعجزة وهذه شهادة حتى وإن كانت فى أتون الأزمة الاقتصادية التى نعيشها بفعل الصراعات الدولية والإقليمية وتداعياتها وآثارها على الجميع ومنها مصر.
كل ما أريده وأصبو إليه وأتمناه هو الحديث الذى يتسق مع الواقع، ومع الضمير المهنى أن نقول كل شيء، وألا نحكم على الأمور بمعيار الأزمة الطارئة، وعلى رأى الأغنية المصرية، إن كنت ناسى أفكرك، لذلك فإن العودة إلى الماضى القريب 12 عاماً إلى الوراء ومقارنتها بما يجرى الآن فى مصر تجد فارقاً كبيراً فنحن الآن، نتمتع برفاهية الحوار والاختلافات فى وجهات النظر حول سياسات وأولويات، بعد أن كنا نتحاور قبل 12 عاماً حول مصير وطن، هل يبقى أم يسقط؟، لذلك فإن مصر العظيمة، التى بناها وحماها الرجال تستحق كلمة الحق.
تحيا مصر