يخطئ من يتصور ان نصر السادس من أكتوبر كان مجرد نصر عسكرى على إسرائيل.. أو تفوق التخطيط العسكرى المصرى على العدو.. بل كان أكبر من ذلك بكثير.. انه اعجاز عسكرى بكل ما تحمله الكلمة من معني.. فلم يكن من السهل على أى قوة أن تحطم خط بارليف المنيع الذى قال عنه الخبراء العسكريون الأجانب.. انه فى حاجة إلى قنبلة ذرية لتحطيمه وتجاوزه.. انه انتصار أعاد الثقة للجندى المصري.. وغير مفاهيم القوة العسكرية وصارت أعرق الأكاديميات العسكرية العالمية تدرس حرب أكتوبر ودقة التخطيط والتمويه والتنفيذ والقدرة على عبور أكبر مانع مائي.. ثم أكبر مانع عسكرى فى التاريخ وهو خط بارليف الذى قيل انه منيع وانه غير قابل للتجاوز.. ومن رابع المستحيلات عبوره.. انه نصر أعاد العزة والكرامة للجندى المصرى والثقة لقادة التخطيط والتنفيذ.. وأنا شخصيا ومن خلال تجربة ذاتية ولكثيرين من أبناء جيلي.. كان نصر أكتوبر هو الحياة ذاتها والطمأنينة والأمن.. ففى عام 69 عندما أغار العدو الجبان فى خسة وندالة على مدرسة بحر البقر فى محافظة الشرقية .. كنا فى الصف الثالث أو الرابع الابتدائى بمدرسة الدمرداش بشارع رمسيس.. وشاهدنا ما حدث من بشاعة الاعتداء على تلاميذ بحر البقر واختلطت دماؤهم وأجسادهم بحطام فصولهم.. وكنا كلما مرت طائرة فوق المدرسة أو حتى سمعنا مجرد «أزيز» طائرة عابرة فوق المدرسة كنا نرتعد رعبا وخوفا.. ظلت هذه المشاعر المشوبة بالحذر والرعب تصاحبنا حتى تحقق نصر السادس من أكتوبر.. فكان بالنسبة لنا نحن الصغار بمثابة عودة الروح والحياة وذهاب الخوف والفزع لدينا.. وهو ما أكد عليه حقا بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى خطابه التاريخى فى مجلس الشعب عندما قال بعد النصر انه آن الأوان لهذه الأمة أن تطمئن فقد أصبح لها درع وسيف.. ان نصر السادس من أكتوبر سيظل يوما خالدا ليس فى سجل التاريخ العسكرى المصري.. بل محفورا فى وجدان الشعب المصرى مسطورا بحروف من ذهب فى سجل البطولة والتضحية والشجاعة والبسالة والفداء والوفاء.
>>>
أما الجانب المضئ حقاً فى صفحات انتصار أكتوبر.. فهو النموذج القومى للتضامن العربى الحقيقي.. الذى نحن فى أشد الحاجة إليه خلال هذه المرحلة من تاريخ الأمة.. فلا أحد ينسى على الاطلاق المواقف العربية المشرفة فى دعم مصر فى حربها ضد العدو المدعوم بكل امكانات الولايات المتحدة الأمريكية.. لا أحد ينسى الموقف التاريخى للملك فيصل بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين خلال القمة العربية بالخرطوم 68 عقب نكسة 5 يونيو 67.. ووضع كل امكانات المملكة لدعم الجيش المصري.. وكذلك ليبيا والجزائر وسائر الدول العربية.. بل لا أحد ينسى موقف شاه ايران ودعمه للجيش المصرى خلال معركة التحرير والنصر وكان استخدام سلاح البترول العربى مؤثرا بدرجة كبيرة هزت أوروبا وأمريكا ذاتها التى دخلت معركة أكتوبر بصورة مباشرة بعد التفوق الكبير للجيش المصرى على أوهام الجيش الذى قيل انه لا يقهر.. فقد انصهر فى ساعات معدودة أمام شجاعة وبطولة خير أجناد الأرض.
.. اننا فى حاجة شديدة إلى تضامن عربى حقيقى كنموذج السادس من أكتوبر.. فلا أعتقد ان المنطقة قد مرت على مدار تاريخها بمخاطر جسيمة وتصعيدات قمة الغطرسة واستعراض القوة من جانب حكومة تل أبيب التى يقودها الدموى المتطرف النتن ياهو والذى يمضى بسرعة رهيبة نحو اشعال المنطقة واطلاق شرارة حرب نووية تقود إلى الحرب العالمية الثالثة والتى ستكون نووية وربما تكون نهاية المعمورة بأكملها.. قطعا بتبريكات أمريكية بقيادة جو بايدن الأكثر تطرفا من رئيس الحكومة الاسرائيلية ذاته والذى يميل ويشجع على ضرب ايران.. والسعى الحثيث لبنيامين نتن ياهو على اجهاض المحاولات الايرانية لامتلاك قوة نووية والاصرار على توجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية والتى ستكون بمثابة الشرارة الأولى لانطلاق «الثالثة» النووية وما يتبعها من مخاطر جسيمة قطعاً سوف تلحق بالعالم كله.
>>>
وإذا كان المجتمع الدولى أو النظام العالمى الذى تقوده أمريكا يطيب له ما تفعله قوات الاحتلال الاسرائيلى سواء فى غزة أو لبنان أو ضرب ايران.. فعلى الأقل لابد أن يكون هناك دعم عربى شامل وواضح للرؤية المصرية والمواقف المصرية الثابتة تجاه قضايا الأمة والحفاظ على الدولة الوطنية وعدم المساس بسيادة الدول وسلامة أراضيها سواء فى سوريا أو ليبيا أو العراق أو السودان أو لبنان.. أو السعى نحو تصفية القضية الفلسطينية.. ان نار الاحتلال تحف بتلابيبنا جميعا ويخطئ من يظن ان لهيب النيران بعيد عنه.. أو ان الشر المتطاير لن يشعل مرقده.. اننا جميعا نحن العرب فى بؤرة النيران ولن يحمى أراضينا ومصالحنا سوى ايدينا وموقفنا الموحد ودعم الرؤية المصرية وموقفها الثابت من خطورة التصعيد الاسرائيلى بالمنطقة.
لن يحمى بلادنا إلا سواعدنا.. ولن يحقق مصالحنا إلا وحدتنا ولنا فى دعم أمريكا وأوروبا المطلق لإسرائيل عبرة وعظة قبل فوات الأوان!!