هبى يا رياح اكتوبر هبي.. هبى واملأى الدنيا ربيعاً.. وانشرى عبير النصر فوق الربي.. واملأى النفس آمالا ومني.. فقد طال الشوق واشتد الظما..
نعم.. أكتوبر هو الحل.. أكتوبر بكل أيامه سادس وسابع وثامن وعاشر وثلاثون وثلاثة وثلاثون.. العرب بحاجة إلى أكتوبر من جديد.. أكتوبر الذى أجبر العالم على أن يرفع القبعة للجندى والمقاتل المصرى ويقر ويعترف بعبقرية العسكرية المصرية التى وصلت حد الاعجاز تخطيطاً وتنفيذاً وفكراً وإستراتيجية ويقف أمام انجازاتها فى حالة من الدهشة والذهول.. أكتوبر الذى رد الكلمة والاعتبار للكبرياء والكرامة العربية كلها..
وكذلك العدو يلزمه أكتوبر جديد بكل روحه وروائحه وتفاعلاته وانفعالاته.. فالعدو لن يفيق من صلفه وغروره وعناده وجبروت القوة التى يستمدها من أماكن كثيرة وليس من كيانه الهش أو من أوهامه التى يروجها صباح مساء.. هو فى حاجة إلى اكتوبر ليسقط تلك الأوهام والأكاذيب والإدعاءات حتى وهو يشعر بنشوة من نوع خاص تعمى بصيرته وتدفعه دفعا لتجاوز كل الخطوط الحمراء والسوداء والاعتداء على كل ما هو إنسانى أو أخلاقى أو له صلة بالقانون أياً كان نوعه إلا قانون الغاب..
العرب وهذا هو الأهم يحتاجون بشدة إلى أكتوبر إلى روحه ورياحه وكل ظلاله ليزلزل من جديد أركان إسرائيل ويقطع شأفة الاحتلال وينفض غباراً كثيفاً يملأ الآفاق ويعيد القواعد الصحيحة للأخوة والعروبة الحقة التى إن حضرت لن يقف أمامها أى قوة فى الأرض ولا أبالغ بالقول سيخضع لها الجبابرة ساجدينا.. وهذه ليست أحلاماً بل حقائق ولمن حاول تشكيكاً عليه أن يسأل أكتوبر 73 العاشر من رمضان 1393 هجرية..
نعم العرب والمسلمون معهم بحاجة إلى روح أكتوبر العاشر من رمضان ليذكرهم بأن لديهم من أوراق القوة ما يعجز الأعداء ويرغمهم على احترامهم وعدم التفكير فى التطاول أو التجاوز.. تذكرهم بأنهم ومعهم الأصدقاء ومحبو السلام فى العالم قادرون على نزع فتيل أى قوة تريد أن تتلاعب بالحقوق ومقدرات الشعوب أو تعمل على استغلال المنظمات الدولية وتنزع هيبتها وإبطال مفعولها إن لم يكن توظيفها لتحقيق أغراض دنيئة تتعارض مع كل المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية.
روح أكتوبر وبسالة الجندى المصرى وقوة الموقف العربى والتضامن اللامحدود هى التى جعلت ايهود باراك رئيس وزراء الكيان الصهيونى يقول فى أول يوم لمعركة 6 أكتوبر وقد كان عائداً لتوه من أمريكا عقب سماع نبأ الحرب عاد إلى أحد مراكز القيادة العسكرية.. باراك كان قد تخرج للتو فى جامعة ستانفورد فى الولايات المتحدة الأمريكية لكنه كان قد أدى خدمته العسكرية فى القوات الخاصة الإسرائيلية لذلك جمع أغراضه وعاد إلى تل أبيب. وبمجرد وصوله توجه مباشرة إلى مركز قيادة القوات الإسرائيلية والمعروف باسم «الحفرة» يقول باراك «لقد كانت الوجوه شاحبة كأنما يعلوها الغبار فقد كانت هذه اللحظة هى الأشد قسوة خلال الحرب.. فى ذلك اليوم ضاع أثر نصر 67 النفسى وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلى لا يُهزم».
ذاك يوم بكت فيه كل القيادات الإسرائيلية كبيرها وصغيرها من أول جولدا مائير مروراً بوزير الدفاع موشى دايان وحتى أصغر عسكرى صهيونى ومرتزق.. فقد بلغت الخسائر الإسرائيلية فى حرب أكتوبر وفق العديد من المصادر الاجنبية ومنها الإسرائيلية: 2656 قتيلاً و7250 جريحاً إلى جانب عشرات الآلاف من الأسرى وتدمير 400 دبابة واستيلاء الجيوش العربية على دبابات أخرى وتدمير أكثر من 300 طائرة حربية و25 مروحية.
ويكفى الاشارة إلى ما قاله آمنون كابيليوك صاحب كتاب «إسرائيل انتهاء الخرافة»: إن حرب أكتوبر من وجهة نظر الإسرائيلى العادى يمكن أن تحمل أكثر من اسم مثل «انهيار الأساطير» أو «نهاية الأوهام» أو «موت الأبقار المقدسة». وقال موشى ديان وزير الدفاع: «إن حرب أكتوبر كانت بمنزلة زلزال تعرضت له إسرائيل ولم تملك القوة الكافية لإعادة المصريين للخلف مرة أخري».
جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وقت حرب أكتوبر قالت «إنها كارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي.. وسيظل معى باقيًا على الدوام»، «كنا نقاسى من انهيار نفسى عميق.. لم تكن الصدمة فى الطريقة التى بدأت بها الحرب فقط ولكنها كانت فى حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها فقد كان الاحتمال فى أكتوبر ضئيلاً».
يا هلا أكتوبر وروح أكتوبر وكل ما قرب إليها من قول وعمل.. فالعدو وحلفاؤه الأقربون والأبعدون ومن تماهوا معه فى سلة واحدة فى الظلم والعدوان بالباطل وكل باطل وبالهتان والزور لن يرتدعوا ويعيدوا حساباتهم إلا إذا تيقنوا تماماً وادركوا يقيناً أن روح أكتوبر لاتزال قائمة وثابة وقادرة على الفعل الحيوى أو على الاقل يمكن استدعاؤها وتفعيلها بكل بساطة ويسر.. والدليل أنه عندما يتعلق الأمر بمصر يراجع العدو نفسه ألف مرة، لأنه يعرف معنى الجيش المصرى وقوته وأنه قادر..
وكل عام وأنتم على موعد مع النصر.. والله المستعان..